ماذا يخيف عبد الله بشارة؟

TT

الذين يعرفون السفير عبد الله بشارة منذ أكثر من أربعة عقود، عرفوه في مواقع كثيرة، وعرفوا فيه صفة لازمة: «الأصولية الكويتية»، إذا صح التعبير. فهو دبلوماسي في كل القضايا وفاقد لأي ليونة في مناقشة قضايا الكويت. وليس هذا رأي العرب والأجانب فيه، بل هو خصوصا رأي الكويتيين جميعا، سواء كانوا على يمينه أو على يساره.

ولم يكن عبد الله بشارة يعطي بلا أي حرج عندما يتصل بي في بيروت ثائرا: ماذا تفعلون بأنفسكم؟ ماذا تفعلون ببلدكم؟ متى تتعلمون من الكويت؟ وارتفعت نبرته أكثر بعد الغزو العراقي ورفض الكويتيين بشجاعة للتعاون مع الاحتلال. ولم يكن يتصل ليطمئن على صديق قديم، بل من أجل تأنيبي، ممثلا للشعب اللبناني، على حالة السقوط التي لا يكف عن الانحدار فيها.

لا يعرف عبد الله بشارة كم أحزنني عندما وجدت أن عنوان مقاله الأخير هو «الهبوط في وحل الدولة الرخوة». بدا خائفا ومنتفضا وقد رمى جانبا نصف قرن من اللغة الدبلوماسية ومصطلحات التحفظ. لقد حرك فيه قول الشيخ جابر المبارك الحمد، «وصلت السكين إلى العظم»، تلك المشاعر التي خامرت جميع العرب وهم يتتبعون أحوال الكويت، وتدهور الجدل السياسي.

يقول عبد الله بشارة: «ولم تأت هذه السيريالية السخيفة إلى المشاهد الكويتية فجأة، وإنما هيأت لها ظروف التردد وتبني سياسات الاسترضاء والتلطيفات، مع إظهار مؤشر التدليعات، وكلها عناصر وفرت بيئة لم يعد فيها احترام للسلطة ولا هيبة للقانون، ولا معنى فيها لمقام المؤسسات، حيث تاه الانضباط وتخلت مؤسسات الدولة عن سيادة القانون، وتلاشت قدسيته».

هذه أول مرة نجد عبد الله بشارة، في فزعة مما حوله، يحمل الدولة المسؤولية، وليس فقط «ثرثرات النواب»، ويتحدث عن «عجز السلطة عن المواجهة»، ويقول: «من ينظر إلى الساحة الكويتية الآن، سيقف عند حالات مستجدة لم يتذوقها المجتمع الكويتي من قبل. واقع اليوم لا علاقة له بما تعلمناه من المؤسسين. فالترضيات شلت الدولة والمجاملات أدخلت الكويت أجواء خرافية ترفيهية لا علاقة لها بالواقع». يقرأ بيان الشيخ جابر المبارك الحمد، ويقول «العبرة هنا ليست في استشعار الخطر فحسب وإنما بإسقاط نهج الاسترضائيات والاعتماد على حكم القانون واستعادة الهيبة وحماية مؤسسات الدولة من الفاسدين والمفسدين». يشير السفير بشارة إلى كتاب المقالات وإلى السياسيين وإلى الموظفين، ربما لكي يبرر لنا هذا الهلع الذي يعبر عنه مما يسميه الارتخاء في متن الدولة التي كانت ذات مرحلة نموذجا للدول المثالية في الأمم الناشئة.