لقد كان أحمد الربعي

TT

كتب الزميل الدكتور مأمون فندي في مقال «تزوير الصورة» أنه «منذ أعوام سنت صحيفة «الشرق الأوسط» سنة حسنة في الصحافة العربية، من خلال عمودها (المراقب الصحافي)، الذي كان ينتقد الصحيفة وأخطاءها على صفحاتها. ولم يعب ذلك «الشرق الأوسط» في شيء، بل زاد من مصداقيتها، وأتمنى لهذا العمود الذي استمر لأعوام، أن يعود مرة أخرى، لأن الصحافة مهنة الأخطاء، ولكنها أيضا مهنة الاعتذارات ومهنة توخي الدقة في المعلومة».

وكلام الزميل عن الدقة صحيح، ولذا نجد أن كثيرا من الدراسات، وآخرها التي نشرتها «نيويورك تايمز» تقول إن الناس لا يزالون يتلقون معلوماتهم من الإعلام التقليدي، حتى من خلال الإنترنت، حيث ما زالوا يعتمدون على الصحف كمصدر أساسي، والراديو والتلفاز. ودلالة ذلك أن الناس يثقون بمن يوثق معلوماته بشكل جاد، وهذا يتطلب تكلفة مالية عالية، وجهدا حرفيا، ليكون للوسيلة الإعلامية مصادرها وقصصها الخاصة، لا كما يحدث اليوم في منطقتنا من سطو على محتوى الصحف دون مراعاة لقوانين الملكية الفكرية، من قبل مواقع الإنترنت، وبعض التلفزيونات، التي تتعامل مع الصحف وكأنها غرفة الأخبار الخاصة بها!

وفي الوقت الذي نجد فيه أن المباحث الفيدرالية الأميركية (إف بي آي) هي من يقوم بملاحقة كل معتد على قوانين الملكية الفكرية في أميركا، وهو أمر يمكن ملاحظته بالرسالة التحذيرية في مقدمة كل فيلم أميركي، نجد أن بعضا من وسائل الإعلام العربية هي من يقوم بالسرقة، بلا حسيب أو رقيب، بل ويصنفون أنفسهم على أنهم كبار، وهذا خطر على الاقتصاد يوازي خطر غسل الأموال، ولذا فلا يمكن أن نرى بيننا مثل بيل غيتس!

وبالعودة إلى موضوع «المراقب الصحافي» الذي تطرق إليه الدكتور فندي، وهو تقليد عريق في الصحف الغربية الرصينة، وسنته «الشرق الأوسط» كأول صحيفة عربية تقوم بنشره، فإن التوقف كان لأسباب قاهرة.. فما لا يعرفه القراء، ولا حتى العاملون في الصحيفة، هو أن من كان يكتب تلك الزاوية كان الراحل الدكتور أحمد الربعي رحمه الله.

فبعد أن تسلمت رئاسة التحرير، عرضت عليه الفكرة، واستحسنها، لكنه تردد خشية الحرج، وقال بعبارة عامية «فكرة زينة.. بس ربعنا ما يتحملون»! أقنعته بأن اسمه لن ينشر وأنها سر بيننا، وافق. وبالفعل ظلت سرا!

وكان الراحل الربعي حر الاختيار، بل كتب ذات يوم: «الأسبوع المنصرم كان أسبوع الأخطاء التي لا تغتفر للصحيفة، وصحيح أن (الشرق الأوسط) تمتلك فضيلة الاعتراف وتضع زاوية يومية للتصويبات ولكن هذا لا يقلل من خطورة الأخطاء الكبرى، ونكرر القول إن الأخطاء اللغوية والطباعية ستظل موجودة وإن كانت أفضل بكثير عما كانت عليه». يومها جاءني أحد الزملاء ممتعضا يقول: «لا أعلم من الذي يكتب هذا الكلام، لكن فيه إساءة لنا». إجابتي كانت: «حسن من أدائك، ولن يجد ما ينتقدك عليه»!

ومن هنا انفردت الصحيفة بتلك الزاوية حتى مرض الدكتور الربعي، إلى أن توفاه الله، وتعذر نشر زاوية «المراقب الصحافي» التي أكسبت الصحيفة احتراما حتى على المستوى القانوني في بريطانيا، حيث حسب لها أنها كانت أول صحيفة عربية تقوم بنشر زاوية «المراقب الصحافي».

واليوم نقول إن الصحيفة ستعاود نشر «المراقب الصحافي» بإذن الله في ملحق الإعلام القادم، الذي ينشر كل خميس، ويكتبه صحافي نثق بمهنيته، وحرفيته.

[email protected]