ماهايدي

TT

في 20/9/2010، ورد في الصحف اللبنانية الآتي: «قام سفير الصين ليو زيمينغ، على رأس وفد من زوجته وطاقم السفارة بزيارة بلدة حمانا في الذكرى المئوية لابن البلدة الدكتور جورج حاتم المعروف في الصين باسم ماهايدي، وهو أول أجنبي حاز الجنسية الصينية. وكانت الزيارة جزءا من احتفالات في أنحاء الصين».

ألا يبدو الخبر مثل الرسوم المتحركة، محتمل الوقوع لكن لا يقع؟ كيف يمكن أن يكون أول مواطن أجنبي في بلد المليار إنسان من بلد سكانه يومها دون المليون؟ لكن الخبر يعود واقعيا عندما نتذكر أن لبنان بلد مصدِّر إلى أنحاء العالم، فلمَ لا إلى الصين أيضا.

المشكلة في لبنان أنه يصدّر «النخب» ويستبقي الباقي، تماما كما يفعل في تصدير التفاح من ميروبا: الأفضل، عبر البحار. التالف و«المضروب»، للاستهلاك المحلي. لم أكن أصدق ماذا يعني جورج حاتم للصين، إلى أن حضرت قبل عشر سنوات في حمانا، تدشين النصب الذي أقيم له. ألقت يومها سفيرة الصين باسم حكومتها كلمة قالت فيها إن بلاد كونفوشيوس والأباطرة وآخرهم ماو، «مدينة» لجورج حاتم، الذي سافر من أميركا إلى بكين، ليصبح طبيب ماو ورفيق مسيرته.

يسافر اللبنانيون عادة إلى بلاد الثروات، لكن جورج حاتم سافر إلى بلاد الفقر والأوبئة. ولم يعد ليتقاعد في حمانا بل أصر على أن يموت صينيا وأن يلقي الرفاق التحية على جثمانه. وترك لمليار صيني اسم بلد لا يستطيعون العثور عليه على الخارطة. فهو أصغر من حي الأجانب في شنغهاي.

ذلك اليوم، 20/9/2010، تلقت صحف لبنان أيضا أخبار المقيمين الذين لم يهاجروا. الصنف «المضروب» (بلغة التفاح) غير المرحب به في أي مكان، والمفروض قسرا على أهله ووطنه. الصنف الذي لا يليق بأرض أو بشعب أو بكرامة. صنف الشتامين والزعاقين وعديمي الأخلاق ونقالي الفتن.

غريب ما يحدث للبناني عندما يهاجر. ينضوي في سلك العاملين والمجتهدين وذوي المسؤولية. يتخذ لنفسه اسما أجنبيا يخدم به موطنه الجديد. يتحول من جورج حاتم، الموجود منه في كل مكان، إلى ماهايدي، الذي لا مثيل له بين مليار بشري. تأتي سلمى حايك من بلاد المكسيك كل صيف لكي تتداوى من الربو بصنوبر لبنان. ويشتري كارلوس غصن الأراضي هنا، لا في البرازيل، لكي يكون له «مرقد عنزة في جبل لبنان». وجاء كارلوس سليم، إمبراطور التليكوم في العالم، فسرت الأقاويل بأنه ترك 30 ألف دولار فاتورة هاتف.

البعض يعود، والبعض مثل جورج حاتم، يفضل أن يبقى على تلك الذكرى التي حملها يوم سافر، عن بلد هانئ، ليس فيه شتامون ولا ألسنة عليها بثور.