إرث أوباما: الحداد في أميركا

TT

في بعض الأحيان عندما يصرخ الجميع بصوت مرتفع، فإن الحديث الخافت قد يكون هو الحديث الوحيد المسموع.

وهذه هي الفكرة وراء إعلان جديد مناهض للرئيس باراك أوباما يسعى لاستغلال حالة الغضب والحزن المسيطرة على البلاد.

إعلان «الحداد في أميركا»، الذي تبثه موجات الأثير الوطنية، هو محاكاة مثيرة للمشاعر مأخوذة من إعلان رونالد ريغان «الصباح في أميركا». أيا كان انتماؤك السياسي، فإنه من المستحيل مشاهدة هذا الإعلان الجديد من دون الشعور بالحزن الشديد.

الجميع غاضبون. ولكن الغضب أمر سيئ وممل. ومعظم الأميركيين أيضا يشعرون بالحزن. أميركا التي كانت سخية دائما تبدو الآن على حافة مجاعة؛ روحية إن لم تكن مادية، على الرغم من أن هذه الأخيرة تبدو الأقرب أيضا، حيث تختفي الآن فرص العمل وتغلق الشركات.

والإعلان، الذي يمكن مشاهدته على موقع «يوتيوب»، يستشهد بآخر إحصاءات عن البطالة وحبس الرهن، وغيرها من الحقائق التي توضح تمزق العقد الاجتماعي، أو فكرة أن أبناءنا يمكن وينبغي أن يكون بمقدورهم القيام بأفضل مما قمنا به أو على الأقل مثله في المستقبل.

يحاكي الإعلان الجديد إعلان ريغان، لكنه يبدو أكثر قتامة وتشاؤما. وهذا هو نص إعلان ريغان:

«إنه الصباح، يشرق من جديد على أميركا. اليوم، يذهب إلى العمل من الرجال والنساء عدد أكبر من أي وقت مضى في تاريخ بلادنا».

والإعلان الجديد، الذي أنتجته جماعة «مواطنون من أجل الجمهورية»، وهي مجموعة من المنظمين الذين يعرفون أنفسهم بأنهم «أصدقاء ومحبو ريغان»، يبدو أقل تفاؤلا:

«الآن توجد حالة حداد في أميركا، اليوم لن يكون بمقدور 15 مليون من الرجال والنساء الذهاب إلى العمل، فالأعمال التجارية أغلقت أبوابها وستتم مصادرة منازل 2900 أسرة قبل حلول الظلام. وبعد ظهر هذا اليوم، سوف يتزوج 6000 رجل وامرأة ليتحمل كل طفل من أطفالهم حصة تقدر بـ30000 دولار من الدين الوطني المتضخم».

وتتحرك الكاميرا ببطء لتركز على طفل رضيع مثقل بالديون.

وهذا الإعلان القاسي، صممه فريد ديفيز، مصمم الإعلانات بشركة «استراتيجيك برسبشن» وواحد من رجال الإعلام المفضلين لدى الحزب الجمهوري. وقد أنتج ديفيز إعلانات لجورج دبليو بوش وجون ماكين ولكن ربما أفضل إعلان له هو «ديمون شيب» لكارلي فيورينا. ويعتقد ديفيز أن إعلانه الأخير سوف يبرز لأنه «عندما يصيح الجميع، فإن الحديث الخافت يمكن أن يكون هو أقوى شكل من أشكال الاتصال، والله وحده يعلم أن العالم كله الآن يصرخ».

والإعلان ليس دقيقا في إلقائه اللوم في الأوضاع الحالية على الرئيس أوباما. وكما يقول الراوي فإنه في ظل قيادة الرئيس، فإن هذا البلد «بدأ يتلاشى وأصبح في أضعف وأسوأ حال». وفي بادرة خيرية، ربما سمح بها الإعلان، يقول إن «سياسته كانت تجربة عظيمة وفشلت».

هل يمكن إلقاء اللوم على رجل لأنه قام بالمحاولة؟ الرجل جيد ولكن السياسات سيئة؟ ثم نصل إلى الهدف من الإعلان: «أعطِ صوتك للحزب الجمهوري في انتخابات نوفمبر (تشرين الثاني)» و«اختر حكومة أصغر وأكثر رعاية، حكومة تتذكرنا».

والإعلانات تأتي وتذهب. وكثيرون يستغلون حالة الغضب السائدة، ولكن «الحداد» يستهدف بشكل مباشر حالة الحزن المسيطرة على الأميركيين ويترك بصمته. وكما قال لي أحد الذين شاركوا في إنتاج هذا الإعلان: «إنه يقول ما نعرفه من أعماق قلوبنا، وهو أن ثمة خطأ فادحا وقع».

«وفي عام 1984، كان الأميركيون أكثر تفاؤلا بشأن مستقبلهم، والآن، يشعر الأميركيون بالشك والقلق البالغ إزاء مستقبل البلاد.. ويبدو أن هذا الرئيس ينظر إلى أميركا حقا بشكل مختلف عن الرئيس ريغان. لقد كان ريغان ينظر إلى أميركا باعتبارها منارة مشرقة للعالم القديم، أما أوباما فيرفض بشكل صريح فكرة استثنائية أميركا.. وفي عام 2010، تعاني أميركا من زعيم فاشل وسياسات اقتصادية فاشلة».

إن كان سينجح هذا الإعلان أم لا، هذا ما سوف نراه. لكن السؤال الأكثر أهمية: هل هذا صحيح؟ هل أوباما هو المسؤول عن الأوضاع شبه المريعة التي نمر بها؟

لم أكن يوما من الأيام من الذين يحبون الرؤساء الذين يلقون باللوم على الذين سبقوهم أو الذين يقبلون الشكر والمدح عن أعمال ليسوا هم الذين خططوا لها. لكن بعض السياسيين يتلاعبون بالبيانات لتخرج القصة بالطريقة التي يريدونها، فالأوضاع الاقتصادية الجيدة في عهد الرئيس بيل كلينتون بالتأكيد تدين ببعض الفضل للرئيس ريغان، وسوء الحظ الذي واجه الرئيس جورج دبليو بوش تعود بعض أسبابه على الأقل لحالة عدم الانتباه التي كانت في عهد الرئيس كلينتون، وأوباما ورث كمية من المشكلات، لكن سياساته أيضا ساهمت في تفاقمها، والذي سيخلف أوباما سيستفيد بالتأكيد أو يعاني إلى حد ما من البذور التي بذرها الرئيس الحالي. ومع ذلك، فمن الإنصاف القول إن أفكار أوباما كانت صعبة للغاية على الشهية الأميركية. وكان يمكن أن يكون أوباما لطيفا لو أنه قام ببعض الإصلاحات البسيطة للاقتصاد وترك التغييرات الضخمة لوقت لاحق يكون فيه الضغط قد خف.

ولكن هذه ليست الطريقة التي يعمل بها الرؤساء، إنهم يريدون أن يتركوا بصماتهم وأن يذكرهم التاريخ كزعماء قاموا بعمل تغيير.

* خدمة «واشنطن بوست»