«الخابور»!

TT

خبر صغير خرج منذ فترة ليست ببعيدة في الإعلام اللبناني عن «اكتشاف» كميات هائلة من النفط والغاز المتوقع في السواحل اللبنانية مما سيجعل لبنان دولة مصدرة للنفط والغاز ويدر عليها البلايين من الدولارات، وبدأ الفرقاء السياسيون يتنازعون فيما بينهم من سيحظى بالكعكة وينال الحصص الكبرى فيها. وبينما كل ذلك يحدث دخل فريق المقاومة والممانعة على الخط السياسي «ليغير» الموضوع فيشغل لبنان ويهدده بإيقاده نارا لا تبقي ولا تذر ويبتر أيادي من يقف أمامه، وغير ذلك من الخطب الرنانة والرسائل المفخخة والملغمة بالوعيد والتهديد، محولا البلد إلى كيان موتور ومشحون ومؤجج. وفي خلال هذا الوقت تحركت إسرائيل على المواقع نفسها التي ادعى لبنان اكتشافه لكميات متوقعة هائلة من الغاز والنفط فيها لتدعي ملكيتها وتعلن عن موقع سمته بـ«ليفيثان»، ومنحت حق التنقيب لشركة «نوبل» الأميركية ومقرها مدينة هيوستن بولاية تكساس لحفر بئر أولى بقيمة 150 مليون دولار أميركي في شهر أكتوبر (تشرين الأول) القادم، علما بأن شركاء شركة «نوبل» في هذا المشروع هم مجموعة شركات الملياردير الإسرائيلي الكبير إسحق تشوفا، وشركاته معروفة باسم «ديليك». وكانت «ديليك» صرحت منذ فترة بأن منطقة «ليفيثان» تحتوي على ما يقدر بـ16 تريليون قدم مكعب من الغاز، وأعماقها تقدر باحتواء 4.3 بليون برميل من النفط. إسرائيل تحتاج إلى 250 ألف برميل من النفط بشكل يومي، وهي تستورد 98 في المائة من هذا الاحتياج، ولذلك تأتي الأخبار بمثابة طفرة اقتصادية مهولة لها. والأرقام على الرغم من كونها «تقديرية» و«احتمالية»، فإن المحللين يبنون عليها الكثير من الإمكانات القابلة للتحقيق والتطبيق، خصوصا أن خبرة كل من شركتي «نوبل» و«ديليك» في تحقيق واقع ناجح مبني على تقديرات جيدة تعتبر مميزة. ويأتي هذا بعد أن قامتا العام الماضي معا بالحفر في حقل «تامار» بإسرائيل واكتشفتا أكبر اكتشاف للغاز الطبيعي في العام المنصرم، ما يعادل 8.4 تريليون قدم مكعب، وهذا الاكتشاف ضاعف الاحتياطي الاستراتيجي للغاز في إسرائيل أربع مرات.

قيمة شركة «نوبل» في البورصة زادت بنسبة 40 في المائة منذ أخبار اكتشاف حقل «تامار»، وقيمة شركة «ديليك» زادت 50 في المائة، وهذا ترجمته أن ثروة إسحق تشوفا زادت بشكل كبير عما كانت مقدرة بـ2.1 بليون دولار. كل ذلك يحدث دون حراك من ساسة لبنان ولا الحديث عن احتلال مياهه بعد أن استبيحت أراضيه! لا نسمع حراكا أمام الأمم المتحدة ولا أمام أي هيئة عليا أو سفلى! لا حكومة نطقت ولا مقاومة حكت! إسرائيل تواصل تعديها على أراضي العرب والآن بحارهم أيضا، ولا جديد في ذلك ولا اختلاف، بل هو المتوقع والمنتظر، فسجل إسرائيل الأسود علامة تأكيد على ذلك، فهي لم تعترف بحدود ولم تقر مواثيق من قبل، فلماذا سيكون اليوم وضعها مختلفا أو ينتظر منها شيء آخر؟! الحكومة اللبنانية مطالبة بالحراك، وأن تقوم بالدور المنوط بها حتى لا تجعل أصواتا أخرى خارجة عن المنظومة الرسمية للدولة تتحدث باسم المقاومة والدفاع عن الوطن والشعب. هنا يأتي دور الدولة، فلتتحرك أجهزتها وإعلامها لإظهار القضية وإبراز الحجج والبراهين. إسرائيل تدرك تماما أن الأرض لا تدخل ضمن حدودها ولا خرائطها، وقد أقر بذلك بعض ساستها وإعلامها، ولكن مع ذلك قررت أن تبادر بالعمل، لأنها تدرك أن الاقتتال الداخلي اللبناني سيشغل اللبنانيين عنها، ولن يكون لديهم الوقت ولا الجهد للالتفات إلى هذا الموضوع والدفاع عنه. لعل «المال» وما سيضيع منه يكون إغراء كافيا لساسة لبنان للالتفات إلى موضوع البحر المنهوب من لبنان، والتحرك بأمانة وهمة وسرعة لإنقاذ ما يمكن إنقاذه.

إسرائيل تتفوق دائما على نفسها في إيجاد «الخوابير» السياسية بامتياز، وهذه المرة تضع «خابورا» مليئا بالغراء القوي الذي سيكون من الصعب الخلاص من تعقيداته وتبعياته بسهولة دون حراك سياسي ووطني جاد، وهذا بالنسبة إلى لبنان يبدو طلبا صعب المنال ومهمة مستحيلة!

[email protected]