السودان.. بكاء على اللبن المسكوب!

TT

لا يمكن وصف حديث وزير الخارجية السوداني، علي كرتي، لصحيفتنا يوم أمس، وحديثه عن تقسيم السودان، واستغرابه وحيرته لماذا يعادي الغرب السودان، وفي الوقت نفسه ترحيبه بأي مبادرة أميركية، إلا بأنه بكاء على اللبن المسكوب!

وزير الخارجية السوداني ربط بين النظام، وليس السودان، وبين استفزاز المسلمين، وصور أن العالم أجمعه يتآمر على السودان، فقط لأن النظام يقول إنه يطبق الشريعة الإسلامية، حيث يقول الوزير: «لم يبق لهم إلا أن يطلبوا منا التنازل عن ديننا». ولا نعلم هل كان إيواء أسامة بن لادن في السودان، أو كارلوس الإرهابي، من الدين في شيء؟ وهل إيواء من حاولوا اغتيال الرئيس المصري من الدين أيضا؟ وهل التنكيل بأي فئة من السودانيين من الدين في شيء؟ وهل بعد كل ما سبق، وهو غيض من فيض، يتعجب الوزير من الموقف الدولي ضد النظام السوداني؟

الانقسام، أو الانفصال، في السودان أمر قادم والكل يعلم ذلك، ليس اليوم، بل منذ أمد؛ فالاستعدادات لذلك قائمة على قدم وساق، ولم يكن هناك جهد حقيقي من قبل النظام للمّ الشمل، وضمان وحدة السودان، بل إن جميع التحركات كانت تكتيكية، والهدف منها حماية النظام، لا السودان.

واليوم نقرأ وزير الخارجية السوداني وهو يقول إن الغرب، وتحديدا جماعات في أميركا، «يريدون التشفي من العرب والمسلمين بتقسيم السودان». وهذا حديث لا يقدم ولا يؤخر، بل إنه يثير مشاعر الحزن على ما وصل إليه السودان، كما أنه يشعر المرء بخطورة قادم الأيام، خصوصا إذا ما نظرنا من حولنا ورأينا دولا يتهددها مصير السودان نفسه، بفعل الجهل، والفقر، وانتشار التطرف، وانشغال الساسة في معركة البقاء على الكراسي، لا معركة الحفاظ على الوطن.

المؤسف أن حديث الوزير السوداني عن مؤامرة أميركية لتقسيم السودان، وربط ذلك بقضية المستوطنات الإسرائيلية، ما هو إلا هروب للأمام كالعادة، ومحاولة لتجاهل حقيقة واقعة، وهي أن حجم الصراع الداخلي قد فتت السودان، وجعله قاب قوسين أو أدنى من الانفصال، وهو أمر يذكرنا بسعي السودان قبل أعوام قليلة للتوسط لحل الأزمة اللبنانية، بينما العالم كله كان في نقمة متزايدة على قضية دارفور! وأتذكر وقتها أنني سألت مسؤولا سودانيا: «لا أفهم كيف تتجاهلون النقمة الدولية المتزايدة عليكم حيال دارفور وتسعون لحل أزمة لبنان!»، وأجابني وقتها بابتسامة، وشرح غير مقنع!

واليوم، ومع حديث الوزير، لا يملك المتابع إلا التشاؤم وهو يقرأ تعليق الوزير على المطالبة بعدم استخدام كلمة «عبيد» بالقول: «الحديث عن وصفهم بكلمة عبيد حديث تافه وغير مسؤول. نحن نتفاوض على موضوع تاريخي وحاسم، وعن وطن يواجه التقسيم والضغوط الخارجية، وهم يتحدثون عن شتم الناس لهم. الناس يشتمون بعضهم بعضا في كل دول العالم، وعبر التاريخ. واهتمامهم بهذا الموضوع يوضح قصر نظرهم وعدم ثقتهم بأنفسهم!».

ومن هنا نقول إنه لا أمل في حلول تحافظ على وحدة السودان، فالشق أكبر من الرقع، كما يقال!

[email protected]