حرب «الكواتم» تثير الرعب

TT

انتشر في بغداد مؤخرا استخدام الأسلحة المزودة بأجهزة كاتمة للصوت، إلى حد بدأ يثير الرعب بين عموم الناس والسياسيين الذين لا يحظون بحماية مسلحة، والإعلاميين الذين غالبا ما تفرض مهامهم التنقل في ظروف غير آمنة. وتزايدت الاغتيالات الشخصية بشكل لافت، ليس في بغداد وحدها، بل انتقلت إلى محافظات أخرى، على الرغم من الانتشار الواسع والكثيف لقوات الجيش والشرطة والأمن السري.

معظم هذا النوع من الأسلحة التي ضبطت كانت حديثة التصنيع، والنسبة الأكبر منها مصنوعة خارج العراق بمصانع متطورة، فيما ضبطت حالات محدودة تدل على تصنيعها محليا، من قبل أشخاص لديهم ورش تصليح سلاح كانت موجودة في السابق بموافقات أمنية. غير أن مصدر التهديد الرئيسي هو ما يرد من الخارج، بسبب القدرة على إدخال كميات كبيرة ونوعيات متطورة، فيما يبقى التصنيع المحلي محدودا وبدائيا، خصوصا بعد وقوع ورش التصليح تحت نظر الأجهزة الأمنية.

الكثير من الاغتيالات التي تحدث في بغداد تحديدا يجري تنفيذها بهذا النوع من السلاح. ولم يعد الخطر محصورا في المسدسات بعد ظهور استخدام بنادق آلية مجهزة بالكواتم، ما يساعد في تنفيذ الجرائم عن بعد يتيح للمنفذين تحقيق نسب إصابة عالية، والتملص من منطقة الجريمة قبل وصول قوات الأمن.

الشيء المثير للخوف بين الناس هو دخول كميات كبيرة من الأسلحة المجهزة بالكواتم بطريقة تدل على دور مخابرات خارجية، ما يجعل احتمالات تطور وسائل الإجرام عالية، فيما تواجه سلطات الأمن صعوبات جدية في الحد من واحدة من أكثر وسائل الاغتيال خطرا، حيث يمكن نقل الأسلحة الفردية من مكان إلى آخر بتفادي المرور بالسيطرات، أو بإخفائها عن الجنود وعناصر الأمن بوسائل مختلفة.

ويحاول القادة العسكريون حث الحكومة على سن قوانين صارمة تشدد العقوبات على من يتعامل بأسلحة مزودة بأجهزة كاتمة. غير أن غياب الجانب التشريعي بسبب تعطل البرلمان جعل المقترحات غير قابلة للتنفيذ. ولم تعالج القوانين العراقية السابقة هذا الجانب الخطير، لأن العراق - على مستوى الأفراد - كان خاليا تماما من وسائل الاغتيال السرية، على الرغم من الانتشار الواسع للأسلحة الفردية العادية.

وما يثير فزع الناس أكثر هو أن تنتقل هذه الأسلحة خارج سيطرة الجماعات المسلحة إلى من يريد الحصول عليها، وبما أن العداوات قد انتشرت، فإنها تعد أخطر وسائل وأدوات تهديد الأمن الفردي، لصعوبة السيطرة عليها أو حتى الحد منها في حالات كثيرة.

وطبقا لما هو متداول، فإن أكثر الجهات استخداما للأسلحة المجهزة بكواتم الصوت هي منظمة «عصائب أهل الحق» الإرهابية، التي أطق سراح الكثير من عناصرها القيادية المعتقلين باتفاق مع الحكومة، وكانت جزءا من جيش المهدي قبل أن تنشق عنه وتتمرد على قرارات قيادته العليا. ولا ترتبط المنظمة بفيلق القدس الإيراني فحسب، بل تعتبر أداة فاعلة من أدواته المباشرة للقيام بعمليات نوعية لها تأثير كبير على الوضع الأمني. ووفقا لمعلومات من جهة مطلعة، فقد ثبت قيامها باغتيال شخصيات عسكرية، بما في ذلك ضباط من الشيعة، لتحقيق أغراض متعددة من بينها إعادة تجديد العنف الطائفي والصراع على النفوذ.

أما الطرف الرئيسي الآخر الذي يستخدم هذا النوع من السلاح فهو تنظيم القاعدة، إلا أن المحدودية النسبية لظهور نشاطات مماثلة في المحافظات السنية تثبت أن ما لدى القاعدة من هذه الوسائل أقل مما لدى العصائب. غير أن معادلات كهذه لا تكتسب حالة الثبات ومعرضة للتغيير سريعا.

وتثبت حملة الكواتم وقوع العراق ضمن مخطط تخريبي رهيب تديره أجهزة مخابرات كبيرة، تتمتع بقدرات مالية وفنية ومعلوماتية وتدريبية وتخطيطية ومصادر تسلح غير عادية، حولت العراق إلى ساحة لا مثيل لها في التفنن في وسائل التخريب والقتل والإرهاب.

الثغرات الأمنية تزداد تنوعا. فكلما أمكن تحديد ثغرة تظهر أخرى، ما يعكس حجم المعضلة العراقية داخليا وخارجيا، ومشكلة الأمن ليست هينة، ولا يمكن معالجتها بجرة قلم، بل تحتاج إلى جهود كبيرة، وتطور نوعي وعددي في الأجهزة الاختصاصية، وإعادة ترميم العلاقات الاجتماعية، واستقرار سياسي قوي. وهذا كله يستغرق وقتا أطول مما هو متوقع. وينبغي التحسب لاحتمالات نقل ظاهرة الكواتم إلى دول أخرى، خصوصا في منطقة الخليج، تطويرا لمخططات إثارة فتن بدت ملامحها واضحة في مناطق معينة.