فاوض حتى النهاية

TT

الرئيس الفلسطيني محمود عباس في موقف صعب، فالمفاوضون الفلسطينيون ربطوا استمرار المفاوضات المباشرة مع إسرائيل التي انطلقت بصعوبة بالغة وما زالت في بداياتها المبكرة، بتمديد قرار التجميد الجزئي للاستيطان؛ الأمر الذي لم يحصل من جانب إسرائيل رغم الضغوط والمطالبات من العالم، وبخاصة واشنطن راعية المفاوضات.

والآن أصبح الموقف إما الالتزام بالموقف السابق وقطع المفاوضات، كما تطالب حماس، وبالتالي العودة إلى نقطة الصفر والانتظار مدة لا أحد يعرف زمنها لظروف أخرى مختلفة للتفاوض، إذا كان سيكون هناك شيء للتفاوض حوله أو «التراجع تكتيكيا» عما سبق، وهي مسألة ليست جديدة في السياسة والدبلوماسية ومواصلة التفاوض على أمل الوصول إلى اتفاق نهائي يحل كل المشكلات العالقة، بما فيها قضية الاستيطان، بعد أن يتم رسم حدود الدولة الفلسطينية.

المؤشرات تفيد بأن هناك ميلا فلسطينيا لمواصلة التفاوض، فهناك موقف أميركي جديد كما صرح أبو مازن في باريس وهو عائد من نيويورك، كما تعطي تصريحات أبو ردينة نفس الانطباع بتأكيده أن هناك فرصة الآن لا يجب إضاعتها، وإن كان وقف الاستيطان يعطي المناخ المناسب للمفاوضات. وكما يبدو سينتظر المفاوضون الفلسطينيون غطاء عربيا في اجتماع لجنة المتابعة في الأسبوع الأول من أكتوبر (تشرين الأول).

ولا بد أن الفلسطينيين وهم يدرسون قرارهم سيأخذون في اعتبارهم حسابات الربح والخسارة التي يجب أن تكون العامل الأهم في أي قرار رشيد، وبحسبة بسيطة سنجد أن الانسحاب من المفاوضات لن يعطيهم شيئا أو يوقف الاستيطان، وعلى العكس فإن المشكلة ستكون أكبر عند أي جولة تفاوض جديدة سواء كان ذلك بعد شهور أو أعوام، فضلا عن أجواء العنف التي ستنفتح في غياب أي أمل لتخلق وقائع جديدة على الأرض لا أحد يستطيع التكهن بها.

في المقابل فإن مواصلة المفاوضات المباشرة ستعطي المفاوضين الفلسطينيين وضعا أفضل على طاولة المفاوضات أمام الراعين والقوى الدولية بأنهم الطرف الحريص على مواصلة طريق السلام والبحث عن حلول لا العرقلة والانسحاب عند أي مشكلة، فضلا عن عدم إضافة الفرصة المتاحة حاليا لاستكشاف ملامح الحل النهائي، بحيث يكون ذلك مسجلا وموثقا، والضمانات والترتيبات الدولية التي ستضمنه، فلا يجب إضاعة الزخم الذي أخذته جولة المفاوضات المباشرة الحالية والاهتمام الأميركي بها، والذي تمثل في تخصيص جزء كبير من خطاب أوباما في الجمعية العامة للأمم المتحدة لقضية السلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين وتمنياته بأن يكون اجتماع العام المقبل مهيئا لوضع يمهد عضوية دولة فلسطين.

ولن يكون الطريق سهلا، فكما أن هناك في الصف الفلسطيني من يريدون قطع الطريق بأي وسيلة على المفاوضات عند ظهور أي عقبة لأنهم يرفضونها أصلا، هناك أيضا في الجانب الإسرائيلي كثيرون لا يريدون هذه المفاوضات أصلا ويرغبون في استمرار الوضع القائم، الذي تنتشر فيه المستوطنات دون عائق، وتترتب فيه أوضاع جديدة على الأرض تجعل القضية تستهلك نفسها بمرور الزمن بحيث لا يبقى شيء للتفاوض حوله.

لكن الفرصة المتاحة حاليا تستحق المخاطرة والتفاوض إلى نهاية الطريق والقفز على العقبات والمفاجآت التي ستظهر هنا وهناك، حتى على الأقل نعرف ماذا يوجد في النهاية، والمرجح أن السلطة الفلسطينية ستكسب دعما وزخما دوليا خلال مراحل التفاوض، والمرجح أنها مع الزخم ستتوسع في وقت لاحق لتشمل أطراف التسوية الأخرى مثل سورية ولبنان.