إعلام Fact Free

TT

الرهاب الذي أصاب أميركيين توجسوا رعبا وغضبا من مشروع بناء مركز إسلامي ومسجد في منطقة «غراوند زيرو» لا يبدو أنه سائر إلى تراجع كما لا يبدو أن المتحمسين للمشروع قد فترت هممهم.

وقد يكون إعلان المرشحة الجمهورية للانتخابات عن مقعد الكونغرس في نورث كارولينا، رينيه إيلمر، الأسوأ لجهة فظاظته في معاداته للمسلمين. فالإعلان يجمع بين كلمتي «مسلمين» و«إرهابيين» بتواز ودون أي تمايز، ويربط تشييد المركز الإسلامي في نيويورك بـ«غزوات» المسلمين القديمة وتشييدهم لمساجد في أماكن غزواتهم.

الإعلان قوبل بانتقادات واسعة لكن المرشحة الجمهورية لم تتراجع. ولعل المقابلة التي أجرتها إيلمر مع الصحافي، أندرسون كوبر، عبر شبكة «CNN» هي من أكثر المقابلات إثارة بشأن الجدل حول المسجد. فقد حاول كوبر مساءلة المرشحة عن ربطها بين الإرهاب والمسلمين وعن جهلها بممولي المركز الإسلامي وبإمامه.

المرشحة إيلمر بدت في إجاباتها غير ممسكة بكثير من معطيات قضيتها المزعومة فحاولت الدفاع عن نفسها بأن سألت محاورها ما إذا كان معاديا للمسيحية، مما اضطر كوبر للرد عليها: «علي أن أقول لك إن هذا هو أدنى جواب سبق لي أن سمعته من مرشح».

طبعا، فاضت مواقع إلكترونية كثيرة بردود ونقاشات حول ما دار بين المرشحة الجمهورية ومحاورها الصحافي الذي لم يتساهل مع عنصرية ضيفته وجهلها بقضية على هذا القدر من الحساسية ليس في الولايات المتحدة بل وفي العالم.

تطرح مثل هذه الاشتباكات بين السياسة والإعلام مسألة الدور الرقابي الذي ينتظر من الصحافي ممارسته في قضايا شائكة وانفجارية من نوع الموقف من المسلمين في الغرب. ومع إتاحة التداول اليوم للمعلومات بشكل أسرع وأوسع من قبل فإن الرأي العام على تماس مع الأخبار على نحو أوثق مما كان عليه قبل عقد تقريبا. قد يبدو هذا الأمر إيجابيا إذا كانت المعلومات التي يتفاعل معها الرأي العام ذات مصداقية وحرفية عالية.

لا شك أن حادثة المواجهة بين الصحافي كوبر والمرشحة الجمهورية إيلمر هي نموذج، أولا لمعنى أن تكون السياسة قائمة على خواء معرفي وعلى عنصرية وثانيا، لمعنى المساءلة والرقابة التي على الصحافة ممارستها.

التحدي على المستوى العربي هو أكثر جدية ويدعو للقلق أكثر من التفاؤل. وتفاصيل من نوع دفاع مسؤولي صحيفة عريقة مثل «الأهرام» المصرية عن تلاعبها بصورة بحيث يظهر فيها الرئيس المصري متقدما على الرئيس الأميركي وعلى مسؤولين فلسطينيين وإسرائيليين في اجتماعات واشنطن الأخيرة خلافا لما هي عليه الصورة فعلا تدعو للقلق وتبدد الأمل بصحافة عربية أكثر فاعلية وإن كانت الفعلة تستبطن قدرا من الفكاهة.

في مقابلة أجريت معه مؤخرا قال الرئيس الأميركي الأسبق بيل كلينتون: «قد نكون في مرحلة تبدو فيها السياسة من صنف خالي الحقائق (على وزن خالي الدسم)».

الانزلاق نحو إعلام «خالي الحقائق» إن لم نقل كاذب هو تحد ليس حتميا أننا سنتجاوزه بسلام.

diana@ asharqalawsat.com