إيران تريد التشبه بكوريا الشمالية لـ«إخضاع الغرب»

TT

عاد الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد يوم السبت الماضي إلى بلاده «منتصرا» لانتزاع زيارته إلى الأمم المتحدة والكلمة التي ألقاها باسم النظام الإيراني مانشيتات الصحف في العالم كله. أراد أن يقدم «انتصاره» إلى الشعب الإيراني، فشكا كيف أن الرئيس الأميركي باراك أوباما «أهانه» لمجرد أنه سأل فقط سؤالا بسيطا، وهو أن بعض قطاعات الحكومة الأميركية خططت ونفذت هجمات 11 سبتمبر لوقف الانهيار الاقتصادي الأميركي، والاستيلاء على الشرق الأوسط لإنقاذ النظام الصهيوني!

ملاحظة أحمدي نجاد حملت أكثر من ممثلي ثلاثين دولة إلى الانسحاب، وإن كان من المفضل لو انسحبت الدول كلها وبقي أحمدي نجاد يدلي بخطابه وحيدا، لكن بعض مندوبي الدول أحبوا أن يصفقوا له، تماما مثلما تهافتوا لمصافحته، وتهافت الصحافيون الأميركيون لمشاركته «الخبز والملح»، على الرغم من أن اعترافهم بأن كل ما نطق به كان «مجرد أكاذيب عن الوضع داخل إيران».

ولتجيير هذا «الانتصار» داخليا، كرر أحمدي نجاد في مطار مهرباد دعوته إلى تشكيل لجنة مستقلة لتقصي الحقائق، وقال: «يجب ألا نسمح لهذا الحادث (تفجيرات 11 سبتمبر التي قتلت 3 آلاف بريء) بأن يتحول إلى قضية مقدسة لا يجب المساس بها». وقرر تكرار ما فعله بالنسبة إلى الهولوكوست، فهو ينوي العام المقبل عقد مؤتمر في طهران، لدراسة الإرهاب والوسائل لمواجهته!

«سؤال أحمدي نجاد البسيط» من على منبر الأمم المتحدة تلقى دعما من 195 عضوا في مجلس الشورى الإيراني الذين قالوا: «إن ملاحظة أحمدي نجاد جلبت الفرح للمسلمين ولكل الأمم المتطلعة إلى الحرية». وقال كبير المشرعين علاء الدين بوروجردي، رئيس لجنة العلاقات الأمنية والخارجية في المجلس: «إذا حاولت أميركا منع تشكيل لجنة تحقيق في هذه الحادثة، فإن ذلك سيقوي الافتراض بأن الأميركيين والصهاينة متورطون في تلك الهجمات».

الأمر اللافت الآخر، أن أحمدي نجاد تلقى دعم الجنرال يحيى رحيم صفوي القائد السابق للحرس الثوري وحاليا كبير المستشارين العسكريين لمرشد الثورة آية الله علي خامنئي. وهذا يعني مباركة خامنئي للملاحظة «البسيطة» التي طرحها أحمدي نجاد.

يقول لي قنصل إيران السابق في السفارة الإيرانية في أوسلو محمد رضا حيدري: «إن كل ما يفعله الآن أحمدي نجاد ومجموعته، إلهاء العالم والشعب الإيراني، هو يريد كسب الوقت للوصول إلى السلاح النووي».

برأيه، إن المثل الأعلى لنظام أحمدي نجاد هو كوريا الشمالية، يريد الحصول على السلاح النووي «وعندها سيخضع العالم الغربي لإيران». ويضيف: «أحمدي نجاد يتطلع إلى اللحظة التي ستخيف فيها إيران العالم الغربي؛ ذلك لأنه يرى كيف يحكي هذا العالم مع كوريا الشمالية، يقدم أحيانا الكثير من المساعدات الغذائية لشعبها الجائع، وهي حتى الآن لا تتنازل عن سلاحها النووي، تغرق سفينة لكوريا الجنوبية، تلتقي دول الغرب مع اليابان والصين لإيجاد حل للأزمة، لا أحد يعاقب كوريا الشمالية».

ويقول حيدري: «إن هذا ما يسيطر على أحمدي نجاد، يريد فقط الوقت، ثم إنه يعرف أن إيران تملك النفط الذي يكفي كي يظل الغرب يقبل المناورات الإيرانية التي هدفها الوحيد كسب الوقت، ويستمتع أحمدي نجاد وهو يرى كيف أن الغرب يسقط المرة تلو الأخرى ضحية الخدع الإيرانية، ليعاود الاستعداد للجلوس حول طاولة التفاوض مع إيران».

يؤكد حيدري أن أحمدي نجاد يرى خوف العالم الغربي من كوريا الشمالية لامتلاكها السلاح النووي، فكم سيكون هلع هذا العالم كبيرا، عندما تمتلك إيران الغنية بالطاقة، السلاح النووي!

في الخطاب الذي ألقاه الرئيس الأميركي أوباما في الأمم المتحدة، كرر استعداده للانفتاح على الشعب الإيراني والحوار مع الأكثر قربا من خامنئي. وحول هذا الاقتراح ذكّر حيدري أن أوباما وجه قبل سنتين مثل هذه الرسالة، ولا يزال ينتظر الرد حتى الآن! وأضاف: كلنا نعرف أن كل ما يحتاجه النظام الإيراني هو الوقت لتصنيع السلاح النووي. وبعدها ستصبح إيران مثل كوريا الشمالية، الغرب يسعى دائما لكسب ودها كي لا ترتكب أية حماقة. كل مغلق وغامض يصبح مرغوبا لدى الغرب. ويضيف: إذا كانت الصين تدعم كوريا الشمالية، فإن أحمدي نجاد لا يشعر بأنه في حاجة إلى دعم أحد، يعتقد أن إيران ستصبح القوة العظمى في الشرق الأوسط. هذا حلمه الذي يدفعه للحصول على السلاح النووي.

محمد رضا حيدري أول الدبلوماسيين الإيرانيين المنشقين، كان في الثانية عشرة من عمره عندما قامت ثورة آية الله الخميني عام 1979، اليوم هو في الثالثة والأربعين، ما زال يتذكر ما قاله له والده وشقيقه الأكبر في تلك السنة: «لقد وصلت الحرية». شارك في الحرب العراقية - الإيرانية وأصيب عند انفجار قنبلة إلى جانبه. صهره الموظف في وزارة الخارجية نصحه بالتقدم إلى امتحان في الوزارة «على أساس أن احتمال السفر يكون واردا». درس لمدة ثلاث سنوات وفاز في الامتحان. وعام 1989 توفي الخميني وصار هاشمي رفسنجاني رئيسا للجمهورية وكان حيدري الموظف المثالي، فكلف بمهام خارجية، بدأت في جورجيا، ومن ثم ألمانيا وقبل ثلاث سنوات وصل إلى النرويج التي شهدت قرار انشقاقه.

عندما أعلن انشقاقه جاءه ثلاثة مسؤولين إيرانيين في محاولة لإقناعه بالعودة إلى بلاده؛ حيث «سيستقبل بالأيدي المفتوحة والمرحبة بعودته عن (خطئه)»، لكنه فضل التمسك بهذا «الخطأ» والانضمام إلى حركة «الموجة الخضراء» التي أسسها رجل الأعمال الإيراني أمير جاهنشاهي. يتوقع العودة إلى إيران بعد ستة أشهر، «عند انتهاء هذا النظام، ومع عودتنا سنجري استفتاء وتغييرا للدستور». يتساءل حيدري قائلا: «لا أعرف كيف يسمح الغرب لأحمدي نجاد بأن يقول ما يشاء، وفي إيران الشعب ممنوع من حرية التعبير؟!».

ويذكّر حيدري العالم كله، بأن الإيرانيين يعانون، ومع هذا «الصين وروسيا تتاجران مع إيران، لكن لو احترمت الدول كلها الحصار الدولي وضغطت أكثر على هذا النظام ودعمت تطلعات الشعب الإيراني، فإن هذا النظام سيسقط بعد ستة أشهر».

تجرى حاليا اتصالات مع عدد من الدول الأوروبية مثل النرويج والسويد وألمانيا، لاستقبال دبلوماسيين إيرانيين يستعدون للانشقاق. قسم كبير من هؤلاء الدبلوماسيين على اتصال بحيدري، الذي ينصحهم بالبقاء حاليا في مناصبهم «لتزويدنا بالمعلومات، كما أن العديد من موظفي الوزارات في إيران على اتصال معي».

يقول حيدري: إن عددا كبيرا من أعضاء الحرس الثوري على اتصال بـ«الموجة الخضراء» لمساعدتهم على الخروج من إيران، وهدفهم إزاحة النظام الحالي، تماما مثل هدف قطعات في الجيش الإيراني.

يرى أن نظام ولاية الفقيه يقترب من نهايته، وحركة المعارضة تتطلع إلى نظام ديمقراطي يعيش فيه كل الإيرانيين الذين يؤلفون مجموعة من الأقليات: الفرس، العرب، البلوش، التركمان والأكراد. الجمهورية الديمقراطية ستكون لكل الأطراف عكس «هذا النظام الذي يهتم بالشيعة الفرس وليس بأي فريق آخر».

يحذر حيدري من عاقبة الحرب «الخيار الذي يفضله هذا النظام. إن النظام الإيراني تواق إلى أية حرب قد تقع في الشرق الأوسط».

حسب رأيه «كي يصبح الشرق الأوسط أكثر استقرارا، يجب تغيير هذا النظام، وأنا متفائل بأننا سنعود قبل أن يمتلك هذا النظام القنبلة النووية التي سيستعملها من دون شك ضد دول الشرق الأوسط».