نجاد في لبنان: المستعمرة؟

TT

الخبر: من المقرر أن يزورنا الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد منتصف الشهر المقبل، وسيكون في استقباله كبار أركان الدولة، وفي مقدمتهم الرؤساء الثلاثة، والحكومة وغالبية النواب. وسيكون أركان حزب الله في طليعة المرحبين، ومن المؤكد أن يكون لقاؤه مع الأمين العام للحزب السيد حسن نصر الله من المحطات اللافتة خلال الزيارة. وسوف يقوم نجاد بجولة في الجنوب ليصل إلى «بوابة فاطمة» عند الحدود مع إسرائيل. وحسبما يشاع فإن رئيس الجمهورية الإسلامية في إيران سيتوج زيارة البوابة بحجر يرشقه من الجانب اللبناني في اتجاه الجانب الإسرائيلي ليدلل على العداء المطلق لإسرائيل.

في الشكل، لا مشكلة في أن يزورنا رئيس دولة. فكيف إذا كان رئيس دولة كبيرة في الإقليم مثل إيران؟ كذلك في المضمون السياسي اللبناني البحت لا مشكلة بل كل الترحيب بصرف النظر عما نكنه من مشاعر للضيف الآتي، وبصرف النظر عن رأينا بالشخص، وبما يمثله لا سيما منذ إعادة انتخابه المثيرة للجدل قبل أكثر من سنة، وما رافقها من أحداث جعلت الكثيرين في لبنان يشعرون أنهم أمام مشهد مستنسخ في دلالاته السياسية عن مشهد التمديد القسري للرئيس إميل لحود والذي فرضه السوريون. فإعادة انتخاب نجاد بالطريقة التي اتبعت وما رافقها من اهتزاز لا بل ثورة في الداخل، والقمع الذي مورس يذكر أن اللبنانيين المعنيين بما يحصل في إيران، أن من عين الرئيس الإيراني مرة ثانية بصناديق الاقتراع المرصوصة، ثم قمع الشعب الأعزل بالرصاص الحي ثم بالاعتقالات والتعذيب الجسدي والمعنوي وأخيرا بالقضاء المعلب، يمتلك قاعدة صلبة له في لبنان يمثلها فريق سياسي في لبنان يعتبره معظم اللبنانيين فريقا ممارسا للقمع الداخلي بكل تلاوينه. من الغزوات المسلحة، إلى التسلط على الدولة، إلى التخوين على الطريقة الحاصلة في طهران، وهو تخوين يهدر دم اللبنانيين الأحرار. هذا الفريق مسلح وممول ومنظم وموجه من الخارج من نظام الرئيس أحمدي نجاد.

هذه هي المشكلة. ألا يكون الرئيس الإيراني ضيفا في لبنان، يزور بلدا صديقا، بل زعيم دولة يزور بلدا آخر هو أقرب إلى مستعمرة يجري بناؤها يوما بعد يوم في إطار المشروع التوسعي الإيراني في المنطقة. ولعل أكثر ما يقلق اللبنانيين أن مشروع الهيمنة الداخلية لا يتوقف عند حد. من الغزوات والسلاح الترهيبي إلى التحكم بالدولة بتعطيلها أولا، ثم إفراغها، وأخيرا باستتباعها، إلى تعزيز هواجس المجموعات اللبنانية الوجودية في كل وقت وأوان.

يزورنا الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد، وهو سيوجه رسالة من أرض لبنان تفيد أن بلاد الأرز أرض المشروع الإيراني الخصبة على الشاطئ الشرقي للمتوسط، وسيشعر أنه بين أهله وأتباعه، ولكن قد لا تسنح له فرصة ليكتشف أن في «لبنان المستعمرة» شعبا أكثريا يرفض أن يكون حجرا على رقعة الشطرنج الإيرانية، شعبا لا يعترف بالهيمنة القائمة محليا، ولا يعترف بالحق القائم على القتل والترهيب.

في لبنان شعب أكثري عربي، كياني، استقلالي مؤمن بالصيغة اللبنانية، رافض ومقاوم لمشروع الهيمنة القائم. هذا الشعب يرحب بالرئيس الإيراني (على رغم شرعيته المترنحة)، ولكنه لا يتدخل فيما يجري في الداخل الإيراني، ويرفض التدخلات على أشكالها، ويرفض أن يصير «مستعمرة» للنظام الإيراني على ضفاف المتوسط. هذا الشعب يعاهد الرئيس الإيراني على أن يقاوم كل مشروع استتباعي جديد، وكل هيمنة داخلية مهما كان سلاحها ومهما بلغت دمويتها.

أهلا بالرئيس محمود أحمدي نجاد صديقا لا مستعمرا. أهلا به ضيفا لا محتلا وإن بأدوات محلية.