بشار ما بين لواء المرشد و«لواء السيد»

TT

قبل أن يزور الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد دمشق يوم السبت (18/9/2010) وهي زيارة، محطة، كونها اقتصرت على لقاء الرئيسين بشار الأسد ونجاد في المطار، وليست زيارة وفق التقاليد المألوفة للزيارات، كان قد زار دمشق مبعوثان دوليان مهمان هما جان كلود كوسران المسؤول الثقة وكاتم الأسرار في «جمهورية ساركوزي» والذي سلم الرئيس بشار رسالة خطية من الرئيس الفرنسي، ثم زار دمشق بعد ذلك المبعوث الرئاسي الأميركي جورج ميتشل الذي كان قد شارك في الجولات الثلاث للمفاوضات المباشرة بين «السلطة الوطنية الفلسطينية» بشخص رئيسها محمود عباس والحكومة الإسرائيلية بشخص رئيسها بنيامين نتنياهو. واستنادا إلى البيانين الرئاسيين السوريين عن المحادثات التي أجراها المبعوثان وإلى معلومات خاصة وتحليل شخصي من جانب مراقب متابع للتطورات، مثل حالي، فإن الاثنين جاءا على وجه السرعة للترغيب وليس للتهويل.. هذا إذا لم نقل الترهيب.

والترغيب الذي نعنيه هو أن تساعد سورية (التي تخشى استباق تسوية الموضوع الفلسطيني قبل تسوية موضوع الجولان) في تدعيم عملية المفاوضات المباشرة، وفي حال التجاوب وإنجاز العملية، فإن التسوية اللاحقة المضمونة ستكون التوصل إلى صيغة ما تتعلق بالجولان المحتل وبما يرضي الخاطر السوري وينقل بالتالي الصراع العربي - الإسرائيلي إلى مدار جديد.. أي: أن مشكلة إسرائيل مع العرب انتهت ما دامت التسوية، على قاعدة التراضي وليس الحق التاريخي للعرب والحكم التوراتي للإسرائيليين، وضعت برسم التنفيذ. وفي هذا الحال تفقد إيران الشريك العربي في أطروحاتها من أجل فلسطين وهو شريك أعطاها زخما لبضع سنوات وكلفت بالتالي هذا الشريك الكثير، وحيث إن هذا الاحتمال يقلق الجمهورية الإسلامية التي تخشى أن تشكل الدورة السنوية للجمعية العمومية للأمم المتحدة، التي وصل عدد من القادة ومعهم وزراء خارجيتهم إلى نيويورك من أجل المشاركة فيها، المفصل الأساسي لما نشير إليه، نرى الرئيس نجاد لا يتوجه مباشرة إلى نيويورك وإنما يعرج على دمشق ثم الجزائر، للإيحاء بأن إيران ليست وحدها، وأن ما تطلبه فرنسا ساركوزي وأميركا أوباما من الرئيس بشار عليهما أن تطلباه أيضا منه وترفقا الطلب ببعض المغريات. ولعله من أجل ذلك انفرد بالقول (وفق مصدر مقرب منه) بعدما أنهى المحادثات في «صالون الشرف» في مطار دمشق مع الرئيس بشار: «إن سورية وإيران حققتا انتصارات كبيرة؛ لأنهما أفشلتا مخططات الأعداء لتغيير الخريطة السياسية في المنطقة، وإن دول المنطقة تنضم واحدة تلو الأخرى إلى هذا الخط الذي تسير في مقدمته سورية وإيران». والذي يلفت الانتباه أن هذا الكلام لم يصدر في بيان سوري - إيراني مشترك، وكيف سيصدر إذا كانت كل دول المنطقة بما فيها سورية مع التسوية ووفق رؤية بشارية تقوم على إشراك تركيا في أي مسعى لتحقيق التسوية مع إسرائيل؟ ومثل هذا التمييز بين الموقف السوري والموقف الإيراني لا يحدث للمرة الأولى، فعندما زار علي أكبر ولايتي، مستشار المرشد الأعلى آية الله خامنئي للشؤون الدولية، سورية، آتيا من لبنان الذي زاره عاصمة وجنوبا لمدة خمسة أيام بدأت الأربعاء 4/8/2010 بهدف الوقوف على أجواء القمة الثلاثية في القصر الجمهوري في لبنان يوم الجمعة 3/7/2010 التي لم تلق الارتياح في نفوس أهل الحكم في إيران وتعديل اتجاه البوصلة ما أمكن «اللوبي الإيراني» في لبنان تحقيق هذا التعديل ومن دون مراعاة المعين السوري وتقدير ظروف رؤيته المعدلة للموقف وللتعامل عموما مع المجتمع الدولي.. إنه عندما زار ولايتي سورية والتقى الرئيس بشار في طرطوس، ثم بعض المسؤولين في دمشق، بعد لقاء مع القيادات الفلسطينية المعترضة على توجهات «السلطة الوطنية»، فإن الذي قاله عن طبيعة الزيارة لم يكن متطابقا تماما مع الذي أذيع رسميا من جانب الرئاسة السورية. كذلك حدث الشيء نفسه عندما جاء إلى دمشق لاحقا وزير الخارجية منوشهر متقي بغرض تعديل اتجاه البوصلة إياها.

ثم كيف سيتبنى الرئيس بشار الرؤية الإيرانية، وهو الذي بات (في ضوء تعبيرات صادرة عن حالة انفعال وتسببت في توتير علاقات لفترة طويلة) يتحفظ على لغة التخاطب التي تصدر عن صديق أو حليف ومقرب محسوب عليه، عندما تتم زيارة الرئيس نجاد إلى دمشق يوم السبت (18/9/2010) على دوي قذائف كلامية إيرانية من نوع قول اللواء يحيى صفوي مستشار المرشد الأعلى خامنئي لشؤون القوات المسلحة: «إن الأساطيل الحربية الأميركية في مرمى صواريخ القوات الإيرانية التي لديها ساحل بطول ألفي كيلومتر في الخليج وبحر عُمان». ثم تتزامن قذيفة الجنرال الإيراني (اللواء صفوي) وفي اليوم نفسه مع قذيفة الجنرال اللبناني (اللواء جميل السيد) وما حوته من تهديدات تلتها حالة جديدة لم يألفها، كما لم يتوقعها اللبنانيون، وتمثلت في أن «أمن دولة حزب الله وبروتوكوله» نابا عن الدولة والقضاء والأمن الرسمي في التعامل مع وصول اللواء جميل السيد إلى المطار آتيا من فرنسا، وهو استقبال أُريد من طقوسه الشكلية واللفظية إبلاغ من يعنيهم الأمر بأن كلمة «حزب الله» هي الأعلى، ومن دون أن تستوقف الأمين العام للحزب التداعيات النفسية لدى أطياف عريضة من الشعب اللبناني، كانت حتى هذه الواقعة متعاطفة مع إنجازات حققها على صعيد المواجهة مع إسرائيل، ثم جاءت المواجهة السياسية والأمنية الداخلية تأخذ من رونق تلك الإنجازات؟

والقذائف المشار إليها تجعل المرء يشعر أنها لإرباك التوجه الذي لخصه وزير الخارجية السورية وليد المعلم يوم الاثنين 8 مارس (آذار) 2009 خلال مشاركته في مؤتمر من أجل الفلسطينيين استضافته مصر في شرم الشيخ بالقول: «إن السعودية وسورية اتفقتا على أن تنظرا معا إلى الأمام وإلى المستقبل». ومنذ ذلك الحين وحتى القمة الثلاثية في بيروت وقدوم الرئيس بشار في طائرة صديق سورية الحادب عليها وعلى لبنان الملك عبد الله بن عبد العزيز، وأهل الحكم الإيراني يتوافدون للإرباك بدل توظيف الدور السوري - اللبناني لدى قادة مصر ودول الخليج وشعوبها ولدى المجتمع الدولي من أجل حل أزمتهم التي لا يمكن للصواريخ أن تحلها حتى إذا كانت منصوبة في اتجاه الأساطيل، على نحو قول اللواء يحيى صفوي توأم اللواء جميل السيد.. أو «لواء السيد» في ضوء «عرضة المطار» غير المستحبة؛ حيث استقبل الحزب من على باب الطائرة إلى «صالون الشرف» اللواء جميل السيد وانتهت «العرضة» بنقل الحليف العائد في سيارات لم يألف اللبنانيون مشاهدتها من قبل. ولقد حدثت «العرضة» في وقت كان الرئيس بشار الأسد يتحدث في اليوم نفسه في «صالون الشرف» في مطار دمشق مع الرئيس محمود أحمدي نجاد. ما أبعد الاستقبال بالأصول عن الاستقبال بغير الأصول. وبـ«العرضة» غير المستحبة تلك وقف اللبنانيون والعرب والمجتمع الدولي عموما وبنسبة عالية من الذهول على طبيعة «بروتوكول حزب الله» عند استقبال أحد وعلى اعتماد أسلوب الكلام الذي «يجنن» بدل أن «يحنن» ويجعل «حزب الله» إما يتبنى وإما يثني على هذا الكلام.. هدى الله الجميع.