بين السياسة والآيديولوجيا

TT

هل يصح اعتبار فوز إد ميليباند برئاسة حزب العمال البريطاني بمثابة إعلان وفاة حزب العمال الجديد - حزب العمليين الذي هندسه توني بلير وغوردن براون - أم بداية عودة الاشتراكية إلى حزب العمال القديم - حزب العقائديين من أمثال نيل كينوك ومايكل فوت؟

حجم فوز إد ميليباند (المحسوب على يسار الحزب) برئاسة حزب العمال البريطاني بنسبة لا تتجاوز الـ1.3% من الأصوات على منافسه، وشقيقه، ديفيد (الأكثر اعتدالا) يعكس، إلى حد بعيد، الوضع المخضرم - إن لم يكن المحتار - الذي يعيشه الحزب حاليا بين الولاء للآيديولوجيا أولا أو للناخب البريطاني قبله.

الرئيس الجديد لحزب العمال كشف بنفسه الحالة المخضرمة التي يعيشها الحزب، فمن جهة نعى، فور انتخابه، حزب توني بلير وغوردن براون مبشرا بأن «جيلا جديدا» تسلم القيادة، وواصفا انتخابه بأنه «صفحة تحول وخطوة جيل جديد إلى الأمام». ولكنه، من جهة أخرى، وبرسم الرأي العام البريطاني، أكد نفوره من لقب «إد الأحمر» الذي تطلقه عليه بعض وسائل الإعلام، مؤكدا في هذا السياق أنه لن يكون مستعدا لدعم «كل» دعوة إضراب تقترحها الاتحادات النقابية، رغم أنه مدين بتفوقه على شقيقه إلى تأييد النقابات.

ربما كانت خلفية إد ميليباند العائلية تبرر تسميته من قبل الصحف المحافظة بـ«إد الأحمر» فوالده، رالف ميليباند، كان منظرا ماركسيا معروفا.

ولكن أولوية إد ميليباند تبقى إعادة حزب العمال إلى سدة الحكم، وبالتالي التوجه إلى الناخب البريطاني بمقاربة سياسية أكثر اعتدالا من المقاربة العقائدية التي اعتمدها في مخاطبة الناخب الحزبي... ما يعني أن نجاح ميليباند، أو فشله، في الحكم قد يتوقف على مقدرته في تضييق الشق بين متطلبات بريطانيا الداخلية، وتحديدا معالجة العجز الضخم في موازنة الدولة، والتوجهات العقائدية لحزبه.

ولكن سياسته المرتقبة حيال الشرق الأوسط قد تكون الأكثر إثارة لاهتمام العالم العربي، خصوصا أن إد ميليباند نشأ في بيت يتعاطف مع القضايا الإنسانية، فوالدته، ماريون، لا تزال من أنشط العاملات في حقل حقوق الإنسان وعضوا بارزا في المجموعة اليهودية المطالبة بالعدالة للفلسطينيين.

على صعيده الشخصي لم يتردد إد ميليباند في إدانة عملية القرصنة التي تعرضت لها باخرة المعونات التركية لغزة، فكتب في نشرة «الأصدقاء العماليين لفلسطين والشرق الأوسط» مقالة طالب فيها إسرائيل باتخاذ «إجراء مهم» هو رفع الحصار عن قطاع غزة «في أقرب فرصة ممكنة». ومع اعترافه بـ«هموم» إسرائيل الأمنية، أكد أن حصار القطاع هو «أسلوب خاطئ في معالجتها». وبهذه المناسبة أعرب ميليباند عن تأييده لـ«حق الفلسطينيين» في دولة معترف دوليا بحدودها، ذات مصداقية اقتصادية، وبحقهم في أن يعيشوا «أحرارا».

وكذلك انتقد إد ميليباند بشدة، في سياق حملته الانتخابية، قرار الحكومة العمالية السابقة الانضمام إلى الولايات المتحدة في حربها على العراق، وأكد أن هذا القرار أدى إلى «فقدان ثقة كارثي» في حزب العمال. واعتبر أن قرار الحرب اتخذ «بمبررات مضللة».

باختصار، لو أن القضية الفلسطينية لم تلزم دوليا للولايات المتحدة، ولو أن بريطانيا لم تتحول إلى دولة من «الصف الثاني» في عالم اليوم، ولو أن الانتخابات التي كسبها إد ميليباند كانت الانتخابات النيابية لا الحزبية، والرئاسة التي فاز بها رئاسة الحكومة البريطانية لا حزب العمال... لجاز اعتبار إد ميليباند التعويض المعنوي والسياسي الحقيقي لفجيعة الشارع العربي بباراك أوباما (حتى الآن على الأقل).