قمة إسطنبول التركوفونية: حلف لغوي أم لغة حلف جديد؟

TT

حلم توحيد العالم التركي قديم جدا عرقلته الحروب الدائمة ومشكلات إعادة رسم الحدود والخرائط وتقاسم الجغرافيا. جمهورية آسيا الوسطى التركية وحدتها روسيا تحت جناحيها لتكون جزءا من القوة السوفياتية حتى نهاية الثمانينات، ودب الحماس في تركيا مع تفكك الاتحاد السوفياتي من خلال تحرك إقليمي واسع للرئيس التركي السابق تورغوت أوزال تحت مظلة الأفروآسيوية. لكن التنافس الإقليمي والدولي الواسع على هذه البقعة والسياسات الخاطئة للحكومات التركية حتى السنوات الأخيرة، ترك أنقرة تكتفي بالحلم وتراهن على الفرصة المناسبة لمحاولة جمع ودمج الجمهوريات التركية التي تمثل اليوم أكثر من 11 مليون كلم2 و250 مليون نسمة ومليارات الدولارات من الغنى والثروات.

قمة إسطنبول الأخيرة التي شارك فيها إلى جانب تركيا 4 جمهوريات وغابت عنها أوزبكستان وطاجيكستان هي تكملة لتسع قمم سابقة عقدت في الفترة الواقعة بين 1992 و2010 واستضافت تركيا معظمها. وميزتها الأهم أنها تندرج في إطار ترجمة رغبة الملايين من الأتراك المنتشرين بين آسيا الوسطى والقوقاز والبلقان تحت شعار «حلم الاستقرار والسلم والازدهار عبر مساهمة اللغة في تحسين هذه العلاقات» كما قال الرئيس التركي في كلمة الافتتاح، وهي أيضا محاولة للرد وإيقاف تغلغل القوى الدولية الكبرى وبينها الولايات المتحدة والصين وبعض الدول الإقليمية ومنها إيران وإسرائيل، ودمج العالم التركي تحت علم «العمق الاستراتيجي» مشروع أحمد داود أوغلو القديم الذي تحدث عنه مطولا في مؤلفه الشهير تحت هذا العنوان.

قمة إسطنبول وضعت أسس مجلس تعاون البلدان الناطقة بالتركية وأطلقت أعمال السكرتارية العامة للقمة وتوزيع المهام وتقاسم الأدوار في تفعيل أعمال وقرارات الدول المشاركة وإعلان تاريخ الثالث من أكتوبر (تشرين الأول) من كل عام «يوم اللغة التركية» وأطلقت مشروع تنسيق شامل يتضمن إطلاق الـ«ألف باء» التركية المشتركة والقواميس الموحدة وتوسيع رقعة التعاون الثقافي والعلمي والبحثي.

الجمهوريات التركية التي حصلت على استقلالها في مطلع التسعينات كانت دائما عرضة لسياسة الترهيب والترغيب الروسية، وهي ما زالت تحت رحمة الدعم الأميركي والأوروبي، وجربت أكثر من محاولة دمج في كومنولث مستقل واتفاقية أمن جماعي ومشاريع تعاون مثل «منظمة آسيا الوسطى» والـ«شنغهاي». فهل تتخلى عن كل تجاربها الإقليمية والدولية هذه وتلتحق بالمشروع التركي الجديد وهي تعرف تماما حجم الصعوبات والعراقيل التي يفرضها التنافس الأميركي الغربي على هذه البقعة التي أخذت موقعها ودورها في قلب الاستراتيجيات ورقعة الشطرنج الواسعة؟

هل التحرك الجديد هو بداية الانطلاق نحو اتحاد فيدرالي لجمهوريات آسيا الوسطى بقيادة تركية؟ أم هو مشروع تكامل اقتصادي تجاري؟ أم إنه مجرد تعاون لغوي ثقافي لإنقاذ اللغة التركية؟ أم تراه الخطوة الأولى على طريق إعلان ولادة فكرة دمج البحار الأربعة ودولها وشعوبها ليكون ذلك الرد الإقليمي على مشروع الشرق الأوسط الكبير؟

الرئيس التركي عبد الله غل قال في قمة إسطنبول: «إننا 6 دول لكننا أمة واحدة»، لكن ما لا يفوتنا أن هذه الدول لم تشارك جميعها في أعمال القمة لأكثر من سبب وتحفظ، من دون أن يفوتنا طبعا أننا ما زلنا في بداية الطريق نحو أي مشروع تكاملي من هذا النوع دخلت معه الروسية والإنجليزية في اللحظة الأخيرة لإنقاذ الموقف بعدما أخذا مركز الثقل فيه في النقاشات وإعداد البيانات الختامية.