العراق.. هل الأميركيون متآمرون؟

TT

هناك قناعة لدى كثير من النخب العراقية، والعربية، سياسيين ومثقفين وإعلاميين، بأن أميركا متآمرة على العراق مع الإيرانيين، وأن هناك مخططا لتقسيم المنطقة، من خلال تهادن أميركي مع إيران نظير إقناع طهران بالتعاون مع أميركا والغرب تجاه ملفها النووي، وهذا ما سبق أن عرضه الإيرانيون على الغرب، وتحديدا واشنطن، ولذلك فإن واشنطن، بحسب المتشككين في النيات الأميركية، لا ترى غضاضة في أن يجدد لنوري المالكي لولاية ثانية على حساب المكونات العراقية الأخرى. خطورة تلك القناعة أنها باتت تسري مسرى النار في الهشيم بين نخب لا تؤمن بنظرية المؤامرة، بل جلها نخب عقلانية تدعو إلى علاقات سوية مع الغرب.

أحد العراقيين المقيمين في واشنطن، وعلى دراية بدوائر صنع القرار هناك، يقول لي إن أقرب المعنيين بالملف العراقي في أميركا، وتحديدا ضمن فريق نائب الرئيس الأميركي جو بايدن، من أصول كردية، فكيف لا يعرفون المنطقة، وما يدور فيها؟ مضيفا، وهو ليس من أنصار نظرية المؤامرة، أن الرؤية قد اتضحت، فالأميركيون يسلمون العراق للإيرانيين الذين لا يريدون للعراق أن يعود إلى مكانته الحضارية، والسياسية، والاقتصادية، يريدون عراقا منزوع القرار والإرادة. كما يقول لي مسؤول عربي كبير: «هل أصدق ما يقال، وأتجاهل ما يحدث على أرض الواقع؟».

ومن الصعب أن يركن المرء إلى نظرية المؤامرة بسهولة، لكن القناعة هي أن خطورة ما يحدث في العراق اليوم من تغييب وتهميش لنصف سكان العراق، وترك العراق لعبة في أيدي الإيرانيين ليشكلوا حكومته كيفما شاءوا، توحي بخطأ أميركي فادح، حتى لو افترض المرء صحة المؤامرة، بل إنه خطأ قاتل من قبل واشنطن، فالقبول بالتدخل الإيراني، والتعامل معه كواقع يعني شرعنة الصراع الطائفي في المنطقة، وإذا كان لبنان بصغر حجمه يسبب للمنطقة، والغرب، بمن فيه أميركا، هذا الصداع، فكيف بحال العراق الكبير، مساحة، ودورا، وإمكانات؟

القبول بنوري المالكي لفترة جديدة يعني هدم النظام السياسي العراقي، الهش أصلا، كما يعني إلغاء مصداقية العملية السياسية برمتها، ويعني أن على كل طائفة في العراق أن تحتمي بمرجعيتها لضمان البقاء، بل الأخطر من ذلك كله أن الحياة ستعود من جديد لحزب البعث العراقي المنحل، فعلى الأميركيين ألا يتناسوا أن جيش صدام حسين السابق كان يزيد على النصف مليون مقاتل، فأين هم اليوم؟ ومن يضمن ألا يعودوا؟

ولذا، فقناعتي هي أن الأمر ما هو إلا جهل أميركي بعواقب الأمور، وهذا أمر سيترتب عليه الكثير في المنطقة، لأن واشنطن بذلك ترتكب خطأ كبيرا لا يقل عن خطأ احتلالها العراق إن هي قبلت بأن تشكل حكومة العراق من إيران، سواء كان رئيس الوزراء المالكي أو خلافه، لأن ذلك يعني أن لا استقرار بالعراق، كما أنه يعني أننا مقبلون على صراع طائفي مرير بمنطقتنا.

وعليه، فأيا كان مستشارو أميركا، سواء جلبي جديد أو خلافه، فإن السؤال هو: هل تقبل واشنطن أن تكون الداعم لخطة تصدير الثورة الإيرانية الخمينية في منطقتنا؟

[email protected]