في تفسير الحقوق والملكية

TT

ترن كلمة «مخابرات» في أذن العربي رديفا لصورة السجون والتعذيب والافتراء. لكنها في الأساس أمن الدولة وأمن الناس وحفظ كرامة البلدان مما يحاك لها من شر. ويسمي البريطانيون أجهزة المخابرات «أنتليجنس»، أي ذكاء، أو معلومات.. وليس ضربا وتعذيبا. وكانوا في الماضي يخفون اسم رئيس المخابرات، لكي لا تكون له علاقة بالناس، ولا يكون هناك استغلال لمنصبه.

ومنصب مدير المخابرات ليس ملكه. فما يتلقى من معلومات أو تقارير هو ملك الدولة. وقد اختار مديرون سابقون للمخابرات ألا يكتبوا أو يتحدثوا في شيء بعد تقاعدهم لكونهم مؤتمنين ومحلفين. واختار بعض آخر أن يتحدث أو أن يكتب، لكنه لم يتعرض إلى الأفراد بل إلى المراحل، وإلى الحالات العامة لا إلى الحياة الشخصية. ووضع مديرون سابقون للمخابرات اللبنانية مذكرات، أو تحدثوا في مقابلات: غابي لحود، رئيس «المكتب الثاني» أيام الرئيس فؤاد شهاب، وأشهر رجال المنصب. وجول بستاني، بدايات الحرب. وسامي الخطيب «سلطان بيروت». وجوني عبده، الذي لا يزال مثار جدل.

ليس في كل ما كتبوا وتحدثوا أثر لثأر أو انتقام أو تعريض. لا كلام عن حميميات الناس، وهي كثيرة في لبنان، بل تحليلات لمراحل معينة، بأسبابها وأشخاصها. لا نقل لوشايات أو افتراءات أو «صغارات»، مهما كانت حقيقية. فمسؤوليتهم كانت حماية الدولة وليس أعراض الناس وليالي الكباريهات.

اطلعت أخيرا على كتاب غير حديث الصدور، وضعه مسؤول أمني سابق في لبنان عن مرحلة هي أيضا غير حديثة. أصدر الكتاب ورثة الرجل بعد وفاته. ولو كان حيا لاختصر الكتاب إلى النصف تماما.. كان أبقى على التقارير السياسية التي تعطي صورة واضحة وذكية لتلك المراحل ومكوناتها ومعطياتها وتعليل مضاعفاتها. وبذلك كان يمكن أن يتحول الكتاب إلى مرجع تاريخي في أمور كثيرة،

بصرف النظر عن أهميته أو عدمها. لكن الكتاب حشي، للأسف، بتقارير المخبرين عن شؤون صغيرة تتعلق بأناس كبار. وهذه التقارير ليست ملك صاحب المذكرات، بل ملك الدولة. وللدولة وحدها أن تكشف مثل هذه «الوثائق»، هذا إذا تأكد لها أنها حقا وثائق وليست مجرد وشايات أو افتراءات أو كذب. الواقع أنني بقدر ما شعرت بالتقدير في الماضي لما تحدث به مديرو المخابرات السابقون في لبنان، بقدر ما نفرت من شواذ القاعدة، في الكتاب المشار إليه.