ما هذا الترف؟

TT

رد فعلي الأولي على طرد شبكة «سي إن إن» لأحد المذيعين فيها بسبب شتيمته لزميله بالمحطة، كان الضحك، ومن القلب. يفصل لأنه شتم زميله؟ تخيلوا لو طبقنا هذا المبدأ في إعلامنا العربي، وتم فصل كل إعلامي يشتم زميله، بنفس المؤسسة، أو مؤسسة أخرى، لما بقي إلا قلة في المهنة! أحد الزملاء يقول: «يبدو أنك لم تنتبه إلى أن المذيع المفصول كان يتحدث عن سيطرة اليهود على المحطة الأميركية».

وليكن ذلك، ففي إعلامنا العربي تصل شتيمة الإعلامي لزميله إلى حد القول بأن هذا علماني، وذاك فاشل، والآخر مرتش، وحتى عميل، أو أصولي، وتمر الشتيمة مرور الكرام، حتى إن بعض الصحف العربية تنقل أخبارا مفبركة من الإنترنت عن عمالة هذا الصحافي لإسرائيل، أو خلافه، وكلنا ضحايا هذا الأمر بالطبع، وتجد كتابا آخرين يناقشون ذلك، بل أحيانا تسمع شتيمتك وأنت تشاهد حوارا تلفزيونيا على الهواء! والمضحك في عالمنا العربي أن تحمل الإعلامي لشتيمة زميله تعد مؤشرا على النضج، والوعي، لأنه بات يقبل بالرأي والرأي الآخر، أي الشتيمة والشتيمة الأخرى!

الغريب أننا لم نسمع سياسيا عربيا، رغم ضيقهم بالإعلام، يخرج لشتيمة إعلامي عربي.. قد يعبر الساسة عن رأي انفعالي علنا، لكنهم لا يشتمون، وإن كان بعض الساسة يعمد إلى تسخير إعلاميين آخرين ليقوموا بشتيمة الإعلاميين نيابة عنهم، فيبدو أن شتيمة الإعلاميين بعضهم لبعض هي تخصص إعلامي بحت.

وبالطبع، فإن شتيمة الإعلاميين لزملائهم الإعلاميين لها فنون، فهناك ما ينشر في الصحف، أو ما يقال على التلفاز، أو ما ينشر بالإنترنت، وتلك قصة أخرى تستحق الدراسة، والفضح، كما أن هناك ما يقال بالمجالس من قبل «كبار الإعلاميين» أو من قبل «الإعلامي الكبير»، بحسب توصيف الزميل مأمون فندي، وهذه تعتبر الطريقة التقليدية الأكثر شهرة في شتيمة الإعلامي لزميله الإعلامي عربيا.

وأبسط مثال هنا للشتيمة عبر الصحف هو ما يتعرض له زميلنا في بيروت ثائر عباس منذ حواره الشهير مع رئيس الوزراء اللبناني سعد الحريري، حيث ترك البعض فحوى الحوار، وركزوا على الزميل، والصحيفة بالطبع، حتى إن صحيفة «الأخبار»، التي تعكس رأي حزب الله الإيراني، وهذه ليست شتيمة، بل توصيف لواقع، تقول إن الزميل لم يلتق الحريري قط، في مغالطة مفضوحة، ومحاولة مستميتة لتصوير عمل إعلامي صرف على أنه ذو دلالة سياسية معينة!

وبالطبع، فليس المقصود أن لا تكون هناك معارك إعلامية لتوضيح فكرة، أو لجدال حول موضوع محدد، بل إن المقصود هو الشتيمة المباشرة، وطعن الذمم، أو الأخلاقيات. ولذا، فمن يتأمل الوضع الإعلامي العربي، خصوصا مع سيطرة الآيديولوجية، ودخول «المال الطاهر» بقوة على الإعلام العربي، وتنامي الرغبة في تحقيق نفوذ ما عبر الإعلام.. فإن المتأمل ينظر لطرد شبكة «سي إن إن» لأحد مذيعيها بسبب تعديه على زميله، على أنه ترف أخلاقي كبير، فلو طبقنا المبدأ نفسه لما بقي لدينا إلا نفر قليل من أبناء صنعتنا للأسف.

[email protected]