ريادات

TT

لا بد من الإقرار بذلك: عندما قال الأمير سلطان بن سلمان منذ عقدين إنه بصدد إقامة صناعة سياحية في السعودية، لم يأخذ الكثيرون ذلك على محمل الجد. ولا كانت كافية تلك الكفاءات التي أثبتها قبل قليل، عندما أصبح عام 1985 أول رائد فضاء عربي ومسلم يدور حول الأرض على متن العربة «ديسكفري»، بصفة مدير للرحلة، كونه طيارا مدنيا وعسكريا معا.

لكن هذا الأسبوع لم يكن الأمير سلطان في حاجة إلى شكوك أو تراجعات أحد. من ناحية انتهى في متحف «اللوفر» عرض الآثار التي حملها إلى هناك منذ ثلاثة أشهر، ومن ناحية أخرى جاء كبار الإداريين في «ناسا» إلى الرياض للاحتفال بمرور ربع قرن على يوم عاد أمير في الثامنة والعشرين من رحلة علمية رأى خلالها بلده من مدار الأرض. في تلك الرحلة بالذات، شاهد الأمير سلطان بالعين مدى ثراء السعودية بالآثار القديمة. وخلالها أيضا خطر له أنه بدل أن يزحف السعوديون إلى الخارج كل عام، يجب أن يتعرفوا أولا على ما في بلدهم من تاريخ ومن إمكانات ومعالم. ومعه تحولت المؤسسة العليا للسياحة من اسم يبدو متخيلا إلى أكثر المؤسسات المشابهة جدية في العالم العربي، بما فيها تلك القائمة في الدول الحافلة بالمغريات السياحية التقليدية.

بعد 49 عاما من الرحلة الأولى إلى فرنسا، لم أكن أتوقع أن أذهب إلى «اللوفر» الصيف الماضي من أجل آثار سعودية. تعودنا أن تأتي الآثار من مصر أو لبنان، لكنني لا أعتقد أن أحدا توقع أن يقف الناس في صفوف طويلة لمشاهدة آثار آتية من السعودية. لكن هذا ما حدث. لم يعد اسم «المؤسسة العليا للسياحة» يثير التساؤلات وعلامات التعجب. ها هو الإتقان في العمل يؤهل الرجال لارتياد الفضاء ثم لاختبار أكثر صعوبة على الأرض، حيث أصبحت المؤسسة مديرية آثار، ووكالة ترويج سياحي، وإدارة ربط بين الفنادق، ووسيلة لتحسين الأداء في المطارات، ودار نشر

تصدر عنها مطبوعات مهنية راقية عن صناعة لم تكن متخيلة قبل عقدين، وربما لم تكن قابلة للتصديق.

على أن هذه لا تزال بداية الطريق، في حسابات الأمير سلطان بن سلمان، الذي يحب إطلاق البدايات والريادات. وبعضها طبعا لا يستطيع أن يزاحمه عليها أحد. فقد يقطع آخرون السعودية بطائرة شراعية كما فعل، لكنه اتخذ للتاريخ موقع أول عربي يرتاد فضاء الأرض. وكنا نعتقد أنه فعل ذلك كمسافر جريء وشاب يملك القدرة على التحمل. لكن ضيوف الاحتفال من مديري «ناسا» أبلغوا الصحافيين هنا أن الأمير الشاب كان مدير الرحلة قبل ربع قرن.