هل تنقذ زيارة نجاد «السيد» من محنته؟

TT

تأتي زيارة الرئيس الإيراني أحمدي نجاد للبنان المقررة في الثالث عشر من الشهر الحالي، وسط أزمة سياسية وقراءات مضطربة لمستقبل بلد ابتلي بعنجهية زعيم حزب لم يخف ولاءه المطلق لولاية الفقيه، وتتقدم صور الخميني استعراضاته العسكرية. وفي أكثر من لقاء تلفزيوني منقول من مقراته السرية خلال الشهرين الأخيرين، حاول التغطية على اضطراب نفسي لم يلاحظ عليه منذ حرب يونيو (حزيران) التي فرضها على لبنان.

وعلى الرغم من الاضطراب النفسي الواضح والهلع مما ينتظره، فإن نصر الله يمارس لعبة لي ذراع الرئيس سعد الحريري، الذي أثبت توازنا سياسيا باتخاذه سلسلة من القرارات الداخلية والخارجية اتسمت بحكمة واضحة وواقعية، أدت إلى أن يشعر «السيد» بالذعر من احتمالات تكشف حقائق خطرة من سجله، فبدأ يتصرف بطريقة غير مسبوقة حتى في يوم احتلال بيروت، الذي أرغمته المعادلات فيه على جر ذيول التراجع إلى الأوكار التي انطلقت منها زمر الغدر، فحوّل سلاح حزبه من جبهة بقيت خامدة منذ سنوات إلى الداخل، لمحاولة تحقيق واحد من أخطر مشاريع التوسع الإيراني في قلب الشرق الأوسط. وأثبتت سياساته المعارضة لتمتع الفلسطينيين في لبنان بالحقوق التي يتمتع بها إخوانهم في دول الغرب، بما في ذلك حقوق المواطنة الكاملة، نهجه الطائفي، بصرف النظر عن قرارات غير مجدية صدرت عن الجامعة العربية في عقود سابقة.

وفي الوقت الذي يعلم فيه الحزب أن احتلال بيروت لا يتكرر بالطريقة التي تمت من قبل، لما يمكن أن يترتب على خطوة كهذه من ردود فعل لبنانية ودولية قوية، فإنه سيلجأ إلى فرض واقع من الأزمات لفترة طويلة، عسى أن يتمكن خلالها من الإخلال بالتركيبة السكانية، ومحاولة فرض معادلات ملائمة له على المدى البعيد. وهو مخطط خطير ينبغي عدم التهاون في طرق التصدي له بحسابات واقعية منتظمة ومدروسة، تمنع حدوث متغيرات متعمدة.

وعلى الرغم من صعوبة تكرار مفاجأة احتلال بيروت بأي نمط مماثل أو مغاير، فإنه من الضروري أن تكون أجهزة الأمن الحكومية قادرة على تأمين خطط نفوذ قوية لها، حيثما يتطلب أمن الدولة. فضلا عن حرص كتلة المستقبل بطابعها الوطني العلماني على تكوين مراكز تحليل ومتابعة خاصة، ضمن حدود لا تتقاطع مع مفاهيم دستورية يلتزم بها الجميع. وهذا لا يمنع توافر القدرة التحليلية على فهم المعطيات وحركة المعلومات والتوجهات، بما يضمن عدم وقوع مفاجآت كبيرة في كل الجوانب الاستراتيجية وليس ما يرتبط بحصانة الأمن الفردي فقط.

وبما أن مرحلة التصادم بين حزب الله وإسرائيل قد انتهت حقبتها، التي كانت تأثيراتها على إسرائيل محدودة للغاية، فإن تجريد حزب متمرد من سلاحه يعتبر عنصرا حاسما على طريق إعادة السلم الأهلي. وعدم القبول بحصة للحزب في القوات المسلحة الوطنية وأجهزة الأمن، فيما يحتفظ بقوات وأجهزة ووسائل خاصة به.

وبدل القبول بسياسة قضم تدريجي لصالح حزب الله، لا بد أن يتعرض هو لتآكل تدريجي. ومن أهم ما ينبغي القيام به ضرورة عدم دفع أبناء الشريحة التي يستند إليها، إلى الشعور بروح العداء. وهذا يتطلب انفتاحا على القوى الوطنية منها، وتقوية الأجنحة الإيجابية التي تؤمن بتعايش ديمقراطي متحضر، بعيدا عن الفكر الطائفي. ولا ضير من تنسيق داخلي وخارجي لكبح حالة التمرد نهائيا.

ومع عدم إغفال تعقيدات المعادلات الحالية، فإن من الخطأ الخضوع لمبدأ التهديد الغوغائي، فمرور الوقت بلا إجراءات مناسبة يصب في خانة التمزق، ويعزز احتمالات الخطر على المدى البعيد. ولا ينبغي أن يكون لبنان إيرانيا تحت أي ظرف، مهما تطلب ذلك من تنسيق خارجي تفرضه الضرورات. ويفترض الحذر من الإغراءات التي سيقدمها نجاد، فتسليح الجيش يرافقه خبراء من الباسدران، والمؤسسات الصناعية تتبع جمعيات ومقرات مرتبطة بولاية الفقيه ضمن فلسفة ما يسمى تصدير الثورة. وهكذا يبتلع لبنان بمرور الوقت، ويتحول إلى ضيعة إيرانية وقاعدة متقدمة تجاه أوروبا.

سيحاول أعوان إيران تحويل زيارة نجاد إلى عرس كبير لرفع معنوياتهم المتداعية، ومن الضروري تقليص مراسمها الرسمية إلى الحد الأدنى، والعمل على إحباط جهوده لإنقاذ السيد من محنة تماديه. وليس أمام اللبنانيين إلا الالتفاف حول الرئيس الحريري والمحافظة على أمنه، لتحقيق مشروع وطني علماني وكسر شوكة الخمينيين.