النضال المستمر على امتداد الحدود الباكستانية

TT

خلال ذات الأسبوع الذي قتلت فيه طائرات مروحية أميركية بالخطأ ثلاثة أعضاء من فيالق الحدود الباكستانية بالقرب من الحدود مع أفغانستان، عكفت قوات أميركية خاصة على تدريب أعضاء بالقوة ذاتها على كيفية استغلال أجهزة الراديو وأسلحة القنص والأدوات الأخرى المستخدمة في جهود مكافحة التمرد داخل قاعدة نائية هنا.

لا يتحدث الباكستانيون والأميركيون كثيرا في شأن هذا المعسكر التدريبي الواقع شمال غرب بيشاور على بعد نحو 20 ميلا من أفغانستان. ومع ذلك، يشكل البرنامج رمزا للازدواجية الغريبة لهذه العلاقة - مزيج من التباعد على الصعيد العلني والتعاون على الصعيد الخاص يشكل قضية حساسة للجانبين. في هذا السياق، أكد كولونيل إحسان رضا، قائد المعسكر، عندما زرت المعسكر مساء الثلاثاء، أي قبل يومين من الهجوم الأميركي الفتاك قرب الحدود، أن «العلاقات بيننا طيبة للغاية، وتسير على ما يرام». ومع ذلك، حرصت القيادة العسكرية الباكستانية على عدم الظهور بمظهر قريب للغاية من أميركا، حيث شددت على أن المدربين الأميركيين كانوا يوفرون مهارات فنية، وليس يديرون جهود التدريب برمتها.

الملاحظ أن كلا الجانبين ينظر إلى البرنامج باعتباره قصة نجاح، لكن الجهود المشتركة تخفي وراءها توترا يتحرك نحو مزيد من التعمق خلال الشهور المقبلة. من ناحية، ترغب باكستان في استغلال قوة فيالق الحدود البالغ عدد أفرادها 70.000 جندي في تحقيق الاستقرار داخل المناطق القبلية الخاضعة لإدارة فيدرالية، ووقف حركة التمرد الداخلي التي تشنها طالبان. ومن ناحية أخرى، ترغب الولايات المتحدة، التي تناضل داخل أفغانستان، في أن تساعد باكستان في إحكام السيطرة على الحدود وتدمير الملاذات الآمنة التي تستغلها «القاعدة» وطالبان الأفغانية. ويتحدث الجانبان كما لو أن أهدافهما متطابقة، رغم أنها ليست كذلك، حيث تجلت الأولويات المتباينة خلال المحادثات التي جرت الأسبوع الماضي مع قادة باكستانيين. ويبدو «وارساك» واحدا من المشاريع المفضلة لدى ميجور جنرال طارق خان، قائد فيالق الحدود. داخل مقر رئاسته في قلعة بالا هيسار القديمة في بيشاور، يدفعك الزي التقليدي لـ«الكشافة» القبليين للتساؤل حول ما إذا كانت حقبة الراج البريطاني قد ولت حقا. خلف المكتب الذي يجلس عليه خان، توجد لوحة منقوش عليها أسماء من سبقوا خان حتى عام 1907.

وأشار خان إلى أنه حان الوقت كي تنتقل باكستان من الهجمات العسكرية الضخمة في المناطق القبلية إلى ما وصفه بإجراءات «حفظ الأمن». وقال: «لن تكون هناك عمليات كبرى». وأضاف: «لا تتوقعوا عمليات ديناميكية ضخمة جديدة».

ولا يُعدُّ هذا بالأمر المطمئِن بالنسبة إلى الجنرال ديفيد بترايوس، القائد الأميركي في أفغانستان، حيث يقال إنه خلص، بعد عدة شهور في كابل، إلى أنه من الحيوي لضمان النجاح الأميركي ممارسة مزيد من الضغوط الباكستانية على الملاذات الآمنة للإرهابيين. وهنا، يكمن التناقض الجوهري - أميركا تعاني انتشار قواتها العسكرية على مساحة مفرطة في الاتساع وترغب في تعزيز باكستان لنشاطاتها العسكرية في المناطق القبلية، بينما في المقابل ترغب باكستان التي تنتشر قواتها العسكرية هي الأخرى على مساحة مفرطة في الاتساع، في الحفاظ على السلام. وتعد استراتيجية خان نسخة منقحة من التوجه البريطاني القديم: العمل عبر زعماء القبائل للحفاظ على الطرق مفتوحة وإعادة أي عناصر متمردة إلى الصف. ويرغب خان في الحفاظ على النظام من خلال ثلاثة مستويات من القوة: الميليشيات المحلية، التي يتولى زعماء القبائل تجنيدها، وفيالق الحدود المنتشرة عبر المناطق الحدودية القبلية الخاضعة للإدارة الفيدرالية، والأسلحة الكبرى داخل الجيش الباكستاني. من خلال عمله مع مدربين أميركيين داخل «وارساك»، تمكن خان من صياغة بعض التكتيكات الذكية، مثل تزويد المركبات الخاصة داخل المناطق القبلية الحدودية بأقراص إلكترونية تسجل تحركاتها. ومن المقرر أن يخطر الكشافة بأي تحركات مريبة عبر أجهزة الراديو أميركية الصنع التي بحوزتهم، في الوقت الذي سيقضي القناصة على أي أوغاد باستخدام أسلحة قنص أميركية الصنع بحوزتهم. ومن أجل إظهار عودة النظام، قام خان، سليل عائلة بشتونية نبيلة، بجولة بسيارته الصيف الماضي عبر المناطق القبلية الحدودية الخاضعة لإدارة فيدرالية برفقة زوجته وابنته. والواضح أن حماس خان يعدي من حوله. وقد أكد خان أنه «ليست هناك ملاذات بالمنطقة الخاضعة لمسؤوليتي.. يمكنني اصطحابك لأي مكان بأي منطقة وفي أي وقت». لكن تبقى الحقيقية أن شمال وجنوب وزيرستان، نقاط التوتر الرئيسية، لا تزال تحت مسؤولية الجيش. عندما تقود السيارة عبر المناطق الحدودية، ينتابك شعور في بعض الأحيان بأنك انتقلت عبر الزمان إلى الوراء، لكن هذه الاستراتيجية المرتبطة بالعودة إلى الوراء لا بد أنها مؤقتة، لأن باكستان، بدعم من واشنطن، ينبغي أن تتحرك قدما نحو المستقبل، وليس العكس. وأعتقد أن سنوات الحروب مزقت النظام القبلي القديم، وينبغي أن يتمثل هدفنا على المدى الطويل في ضم المناطق القبلية داخل باكستان الحديثة، وليس ترك المجال أمامها لتقوى وتنمو بمفردها.

خلاصة القول أن الهجمات العسكرية الأميركية بطائرات من دون طيار وغيرها، بإمكانها دفع المتمردين نحو الهروب المستمر، لكنها لن تحقق الاستقرار. وكذلك الحال مع قناصة طارق خان. لذا، يتعين أن يشعر سكان هذه المنطقة بصورة ما بأن لهم مصلحة في التمتع بمستقبل يخلو من حرب مستمرة أبدا.

* خدمة «واشنطن بوست»