لبنان.. مذكرة التوقيف تطور إيجابي

TT

وصف رئيس الوزراء اللبناني، سعد الحريري، مذكرة التوقيف السورية الصادرة بحق 33 شخصية لبنانية، منهم المحسوب على فريق «14 آذار»، ومنهم المقرب من الحريري نفسه، بعد شكوى تقدم بها اللواء جميل السيد للسلطات القضائية السورية.. وصف الحريري المذكرة بأنها «أمر مؤسف»، فيما رأى آخرون في لبنان أنها تصعيد، وذهب سمير جعجع إلى القول إنها تعدٍّ على المؤسسات اللبنانية. والحقيقة أنها لا هذا ولا ذاك، وليسمح لنا الحريري وجعجع أن نختلف مع توصيفهما للمذكرة.

قناعتي أن المذكرة تعتبر تطورا إيجابيا جدا، خصوصا إذا تذكرنا أنه سبق للواء جميل السيد أن هدد بأنه سيأخذ حقه من سعد الحريري باليد، ثم عاد وهدد بأنه سيلجأ إلى الشارع، وتساءلنا يومها: أي شارع ذاك الذي سينزل إليه السيد بعد كل تلك الألفاظ، والانفعالات؟ واليوم نجد أن جميل السيد يلجأ إلى القضاء السوري، وليس اللبناني، وهذا تطور بحد ذاته.

الأمر الآخر والمهم هنا هو أن مجرد الإعلان عن أسماء الـ33 شخصية التي صدرت بحقها مذكرة التوقيف السورية يمثل لهم، أي الإعلان، حماية من أن يأتي أحد ما، من مكان ما، ويأخذ حقه منهم بـ«اليد»، خصوصا أن منهم من يعي معنى ذلك، مثل السيد مروان حمادة الذي سبق أن تعرض لمحاولة اغتيال من قبل.

ومن هنا، فإن اللجوء إلى القضاء، وإن كان السوري، يعتبر بحد ذاته تطورا إيجابيا بأدوات الصراع في لبنان، خصوصا أن لغة التهديد هناك لا تنتهي، وقد شاهدنا وسمعنا اللواء السيد وهو يرعد ويزبد أمام كاميرات التلفاز، وهو أمر موثق، مثلما شاهدنا كيف أن حزب الله قد أعلن أن جميل السيد قد بات في حمايته، بل إن الحزب حول اللواء السيد إلى بطل، وتم تصويره على أنه زعامة جديدة انضمت إلى ركب الزعماء؛ حيث استقبل من نفس صالة كبار الشخصيات في بيروت!

وعليه، فيجب ألا يقلق اللبنانيون، سواء رئيس الوزراء أو جعجع، أو قوى «14 آذار»، من مذكرة التوقيف، بل يجب أن يتأملوا أن قوانين اللعبة قد تغيرت في لبنان، وتطورت، بدلا من الاغتيالات بأنواعها والاعتصامات في الشوارع، أو استخدام القوة؛ حيث باتت في دوائر السلطات القضائية، وإن كانت الدوافع سياسية، وهذا أمر آخر جيد في حد ذاته، فمن كانوا يتغنون بأن المحكمة الدولية المعنية بجريمة اغتيال رفيق الحريري ورفاقه مسيسة، هاهم اليوم يورطون أنفسهم بالزج بالقضاء السوري في لعبة مسيسة وواضحة ومفضوحة.

ومن هنا فإن ما يحدث في لبنان أمر إيجابي، للحظة، وبالتالي فإن على المنزعجين أن يوفروا انزعاجهم قليلا حتى يصدر القرار الظني الخاص بمحكمة الحريري لنرى، ويروا، وقتها إن كان حزب الله قد طور من أدوات لعبه، أم أنه سيعود إلى استخدام اللغة التي يتقنها جيدا، وهي إما التلويح بالسلاح وإما استخدامه، سواء على أيدي رجاله، أو من خلال عملاء يتم استخدامهم، ونشرهم، في بيروت. هذا هو الأمر الأكثر مدعاة للقلق بالنسبة للجميع وليس مذكرة التوقيف.

[email protected]