أفغانستان: حرب بلا نهاية أو أسس منطقية

TT

أيمكن لأحدكم أن يذكرني بما حققناه في أفغانستان؟ لا تتسرعوا في الإجابة، فما عنيته: ما النتائج الجيدة التي حققناها؟

حقيقة، أنا لا أدري، فكلما سمعنا بشأن تطورات الحرب سواء من أفغانستان حيث أرض المعركة أو من البيت الأبيض زاد إحباطنا. الصورة التي تبرز هنا هي لعملية عسكرية فاشلة حدد مسارها الزخم لا المنطق. ويبدو أن الجميع يدرك جيدا هذه الحقيقة، لكن لا أحد يرغب في وقف هذا الجنون، وهكذا نمضي.

لعل الأمر الذي أثار دهشتي إلى حد بعيد في كتاب الصحافي الكبير بوب وودورد «حروب أوباما»، مدى إدراك المسؤولين الذين يخططون وينفذون هذه الحرب لصعوبة إنهاء الحرب على النحو المطلوب.

ولنبدأ بالرئيس أوباما، الذي ترشح لمنصب رئيس الولايات المتحدة متعهدا أن ينهي الحرب في العراق ليحول الانتباه والموارد إلى أفغانستان، التي سماها «حربا ضرورية». وما إن وصل الرئيس إلى البيت الأبيض وافق في الحال على طلب عاجل للبنتاغون بإرسال 21000 جندي إضافي، لكنه قبل أن يلزم نفسه بمزيد من التعهدات أمر بمراجعة شاملة لأهداف الحرب والإستراتيجية والتوقعات. وهو ما كان جيدا في حينها.

لكن حينئذ، ووفق رواية وودورد، بحث الرئيس خيارين رئيسيين طرحا عليه، لكنه رأى أنهما لا يصلحان للتطبيق ومن ثم عمد إلى ابتكار إستراتيجيته الخاصة. كان الجنرالات يرغبون في الحصول على 40000 جندي إضافي لمتابعة عملية مكافحة التمرد الشاملة التي تقوم على كسب النوايا الطيبة وولاء الشعب الأفغاني. وحاول المتشككون في الخطة يتقدمهم نائب الرئيس جوزيف بايدن طرح خطة «هجين» - تتركز في الأساس على استراتيجية مكافحة الإرهاب وتدمير «القاعدة» - بإرسال 20000 جندي فقط.

إلى هذه النقطة ستلاحظ أن القضية تطورت إلى كيفية تصعيد الحرب، لا إمكانية تصعيدها أم لا.

كان الرئيس أوباما يبدي قلقا بالغا إزاء التكلفة، سواء من الناحية البشرية أو المادية لالتزام عسكري مفتوح. ومع استيائه من الطريقة التي يحاول بها البنتاغون التلاعب في المناقشات أخذ الرئيس على عاتقه كتابة «بنود اتفاق» من ست صفحات وصفها وودورد بأنها «تسوية قانونية»، حيث عنون زيادة عدد القوات 30000 جندي باستبدال كلمة «مكافحة التمرد» بعبارة جديدة هي «الهدف والتدريب والتحويل»، وأصدر قرارا بعودة القوات من أفغانستان في يوليو (تموز) 2011. كل ذلك كان من شأنه أن يزيل أي «مساحة للتذبذب».

لكن البنتاغون يجيد اللعب على كل الحبال، فبدأ وزير الدفاع روبرت غيتس والجنرالات على الفور في إطلاع الجميع بأن يوليو القادم هو مجرد موعد لبدء الانسحاب - وربما عدد قليل نسبيا من الجنود وإذا سمحت الظروف بذلك. واقتبس وودورد كلمات ديفيد بترايوس، قائد القوات في أفغانستان، في جلسة سرية: «يجب أن تدرك أيضا أنني لا أعتقد أنك تفوز في هذه الحرب.. هذا نوع من القتال الذي سنمضي فيه بقية حياتنا وربما حياة أبنائنا».

هل يمكن أن يفسر لنا أحد كيف يختلف ذلك عن الالتزام الأبدي الذي زعم أوباما أنه رفضه؟ لا أعتقد أن أحدا قادر على ذلك. هذا الخليط من التناقضات ربما يبدو منطقيا إذا كنا ننجز شيئا ما، لكن حكومة الرئيس كرزاي غارقة في الفساد حتى أذنيها كعادتها ولا تزال طالبان قوية ووسعت من نطاق علمياتها وحتى أكثر المتفائلين بشأن الحرب يرون التقدم الذي حققناه محدودا وهشا. ينتقد الصقور الرئيس على وضع موعد زمني محدد - طالبا من العدو أن ينتظر خروجنا - لكن إذا افترضت أن القوات الأميركية ستغادر في يوم ما، فإن الموعد المحدد ضرب من الخيال، فهذه أرض العدو لا أرضنا.

لكن هذه الحرب هامشية فقط بالنسبة لأفغانستان، فالمشكلة الحقيقية هي باكستان التي تملك السلاح النووي، وحليفنا المفترض التي تلعب لعبة مزدوجة - قبول المليارات من الولايات المتحدة لمحاربة الإرهاب في الوقت الذي تمد فيه طالبان بالدعم والمشورة سرا وتغض الطرف عن وجود تنظيم القاعدة على الأراضي الباكستانية. حكومة باكستان ضعيفة ومؤسستها العسكرية تركز بصرها على غريمتها الهند لا أفغانستان أو تهديد الإرهاب الدولي.

قال أوباما خلال مراجعته الاستراتيجية، بحسب كتاب وودورد: «نحن بحاجة لأن نبين للشعب أن السرطان في باكستان»، لكن إذا كان الهدف من الحرب فعلا هو التأثير على الأحداث في باكستان، فمعنى ذلك أننا لا نقوم بعمل جيد.

ولعل السؤال الأخير هنا هو: ألم يحن الوقت لمراجعة أخرى للإستراتيجية؟

* خدمة «واشنطن بوست»