وعند العقاد مقبرة العظماء!

TT

آه يا قلبي.. آه يا بقايا قلبي.. آه يا ليلتي التي ليس لها صباح ولا كان لها مساء آه.. لقد تحطم كل شيء.

فقد أرسلت لي صديقة من روما أسطوانة للموسيقار التشيكي دفور جاك (1841 - 1904) الأسطوانة اسمها «العصور الحديثة» وكان قد نصحني الصديق د. حسين فوزي بها. وطلبتها من صديقة أعز الناس في تلك الأيام. ولم تتصور هذه الصديقة أنه يوجد نظام للبريد غير النظام الإيطالي. فالأسطوانة قد تحطمت. فلم يقرأ أحد أنها قابلة للكسر فيضعها في علبة كارتون ويحذر وينذر من الاستعمال الخشن لها..

وقد نصحني توفيق الحكيم أن أستمع إلى موسيقى «العصور الحديثة» لأنها ولأنها.. وفعلا أعجبتني وأسعدتني وأمتعتني وملأت دنياي بالملائكة.. أهي نغمات اتخذت شكل الملائكة أم هي ملائكة اتخذت صوت الموسيقى؟.. ثم من الذي اختارها؟ وما هي؟ ولماذا هي؟..

وتذكرت محمد عبد الوهاب الذي تحطم العود أمامه فراح ينعاه.. إنه أحسن حالا.. إنه ينعى العود.. أما أنا فما الذي لا أنعاه. وذهب بعض الخبثاء وقالوا لأستاذنا العقاد عن سبب حزني.. وذهبت كما هي العادة إلى لقاء الأستاذ يوم الجمعة فسحبني من يدي إلى داخل مكتبته.. ووجدت على الأرض كوما من الأسطوانات المحطمة.. وأشار العقاد قائلا: وهذه مقبرة العظماء.. يمكنك أن تأتي بأسطوانة دفور جاك وتدفنها بين هذه الضحايا.. هاها..

ولم أضحك..

وبعدها بأيام ظهرت على مسرح الأوبرا فرقة إيطالية وعزفت سيمفونية «العصور الحديثة».. ولم يكن الأمر بهذه السهولة، طبعا ذهبت وجلست وتوقعت أن يقدم لي أحد خالص العزاء.. وجاء الناس وتقدموا بخالص العزاء لقائد الأوركسترا الألماني الذي توفيت زوجته في برلين قبلها بيوم. ولكني مددت يدي إلى يدي وتقبلت العزاء!