إن بعد «الظني».. اسما!

TT

مذكرات التوقيف الصادرة من قبل الجهات القضائية السورية والموجهة ضد تيار المستقبل، وتحديدا بحق رئيس الوزراء اللبناني سعد الحريري، لم تترك اسما بارزا محسوبا عليه إلا شملته، بل إنها توسعت قليلا لتذهب إلى المجال الإعلامي والمجال الأمني، لتضم أسماء كبيرة من باب الاحتياط.. وتقول الطرفة اللبنانية إنه حين صدور مذكرات التوقيف السورية بحق الأسماء اللبنانية كان الكثيرون يبحثون عن أسماء بشارة الخوري ورياض الصلح وأنطوان سعادة فيها، لعلها تكون قد ذكرت هي الأخرى. جميل السيد، مدير الأمن العام السابق في لبنان، هو الذي يقع خلف هذه التطورات الأخيرة، فهو الذي لجأ إلى سورية وجهازها العدلي لإدانة ومحاكمة خصومه بسبب المظلمة التي وقعت عليه شخصيا وتسببت في اتهامه وبالتالي سجنه لمدة أربع سنوات ظلما (بحسب روايته)، وهو اليوم يعتبر أن لديه ثأرا شخصيا مع سعد الحريري وعائلته، وهو على استعداد لأخذ حقه «بيده» إن استدعى الأمر.

مذكرات التوقيف السورية تصدر اليوم للتشويش السياسي ولتغيير الموضوع، ومن قام بخطوات إصدار مذكرات التوقيف السورية فاته (أو فلنقل إنه تناسى) عن جدارة جدوى الملاحقة القضائية لمذكرات التوقيف القضائي التي من هذا «النوع» السياسي، وهي التي تمتنع وتتوقف عن تنفيذها الاتفاقيات الثنائية المشتركة بين لبنان وسورية، وكذلك اتفاقيات الإنتربول الدولية. ويحاول بعض اللبنانيين الترويج وبقوة أنه لا توجد أي شخصية «فوق» مظلة الاتفاق السوري – السعودي، وأن قرار مذكرات التوقيف الصادرة «لا يمكن» أن يكون قد صدر من دون علم السعودية به! وهذا خبث ما بعده خبث يذكرنا بما صدر منذ أيام بخصوص الشأن العراقي الذي قيل فيه إن السعودية راضية كل الرضا عن اختيار نوري المالكي رئيسا للوزراء في العراق في دورة جديدة، مما استدعى نفيا سعوديا رسميا فوريا وقوي اللهجة، دحضت فيه المملكة كل ما ذكر بشكل صريح، مما يؤكد أن السيرك السياسي اللبناني دائما ما تكون مفارقات ومفاجآت الحلفاء والأصدقاء فيه «واردة» من دون اتفاق مسبق، وما حدث مؤخرا من وليد جنبلاط وقبله من ميشال عون لا يزال حيا في الذاكرة وعصيا للآن على الفهم والاستيعاب والإدراك.

المحكمة الدولية وقرارها الظني يسيران في طريق لا يمكن لأحد التدخل فيه ولا إيقافه، والكل يعلم ذلك مع عدم إنكار التهويل والتجييش الشعبي على طرف واحد بعينه «لتحميله» وحده كلفة الفتنة الوطنية والثمن المنتظر نتاج تفكك السلم الاجتماعي الهش جدا. القرار الظني سيخرج للناس باسم أو أسماء يتم توجيه الاتهام إليها، والأطراف المعنية تعلم منذ عام 2006 أن هناك أسماء بعينها متورطة، منها من تم القضاء عليه قتلا ومنها من تم إخفاؤه، وهذا قبل الاستماع للشهداء الذين يطلق عليهم اليوم «شهداء الزور».. وأعتقد جازما أن هناك أطرافا تعشق التصعيد والتوتر الحاصل اليوم على الأرض اللبنانية نتاج الخوف من تبعات المحكمة الدولية، فهي نفسها «تروج» أنها الخاسر الأكبر نتاج التبعات المتوقعة، وأنها هي وحدها ستتكبد الثمن، لكنها اليوم هي التي تحصد مساحات سياسية جديدة غير بسيطة على الأرض ومكتسبات على الساحة الإعلامية والشعبية غير مسبوقة من قبل. نعم الأزمات السياسية ليست بجديدة على الساحة اللبنانية مهما تم استباقها بالجملة الشهيرة «وضع دقيق وحرج وغير مسبوق من قبل ومنعطف تاريخي للبنان»، لكن الوضع في لبنان يبدو مختلفا، فهناك قائمة من الضحايا بقيادة رئيس الوزراء المغدور به رفيق الحريري وآخرين من المفروض أن يتم وضعهم جميعا في الملف الأرشيفي للجرائم السياسية بلبنان ليلحقوا بقائمة مجيدة من أمثال رياض الصلح وكمال جنبلاط وحسن خالد ورشيد كرامي وموسى الصدر ورينيه معوض وآخرين يعرفهم اللبنانيون جيدا ممنوع الاقتراب من التحقيق في جرائم اغتيالهم ولا معرفة قاتلهم وطبعا محاسبتهم. هذا هو لب القضية في لبنان وليس المحكمة ولا الفتنة. بلد كان في عنفوان الحرب الأهلية فيه يفتخر بأنه لا يمكن إصدار شيك من دون رصيد، لأن القانون يحترم، يبقى معيبا في حقه أن يتساقط رموزه الواحد تلو الآخر قتلا من دون عدالة وتحقيق ومحاسبة وقضاء.

[email protected]