رغبة أميركية وعقبة روسية

TT

من بلغ الطريق المسدود قبل الآخر: مفاوضات السلام الفلسطينية - الإسرائيلية أم حكومة بنيامين نتنياهو الائتلافية؟

واضح أن الجانب الفلسطيني دخل المفاوضات المباشرة مع الإسرائيليين متسلحا بضمانة عربية تتمثل بموافقة جامعة الدول العربية على مشاركته بهذه المفاوضات، وأخرى إسرائيلية تتمثل بتعهد أعطاه نتنياهو للرئيس الأميركي، باراك أوباما، بشأن تجميد عمليات الاستيطان في الأراضي الفلسطينية.. وهذا يعني، ضمنا، أن الضمانة العربية لا تنفصل عن الضمانة الإسرائيلية، فإذا كان الجانب العربي قد توخى من «مباركته» قرار التفاوض الفلسطيني إضفاء مظلة عربية شاملة عليها، فإن التعهد الإسرائيلي بتجميد الاستيطان، «برعاية» أميركية، كان البادرة المقابلة للإيحاء باستعداد المفاوض الإسرائيلي للتوصل إلى تسوية مقبولة للنزاع.

انطلاقا من هذه الخلفية، لن يعتبر التاريخ سماح نتنياهو للمفاوضات بأن تتعثر - بداعي معارضة أحزاب اليمين الشوفيني والديني تمديد تجميد الاستيطان - مجرد تهرب من أزمة حكومية محتملة، بقدر ما هو تخلٍّ عن التزام إقليمي ودولي.

عمليا، يوم ذهبت إلى المفاوضات المباشرة مع الفلسطينيين، تقبلت حكومة نتنياهو، بكامل تلاوينها الحزبية، فكرة التوصل إلى «تسوية». وإذا كانت التسوية تستلزم، بأي مفهوم تفاوضي واقعي، تقديم «تنازلات متبادلة»، فإن المنطق «التسووي» السليم يفترض أن تأتي المبادرة في التنازلات من «الأقوى»، أي في هذه الحالة الجانب الإسرائيلي المحتل لكل الأراضي الفلسطينية، وليس من الجانب «الأضعف».

ولكن السؤال يبقى، قبل الحديث عن «التنازلات»: هل يؤمن نتنياهو شخصيا بمنطق التسوية فيعمل على التحرر من شروط ممثلي اليمين في حكومته، أم أن أحزاب اليمين القومي والديني تمنحه «غطاء» سياسيا، وإن كان شفافا، لموقفه الرافض أصلا للتسوية؟

إذا كان نتنياهو يريد، فعلا، تحقيق وعده بالتوصل إلى «اتفاق سلام تاريخي» مع الفلسطينيين، فهذا الاتفاق يبدأ بالانعتاق من «الوصاية الروسية» على حكومته، والمتمثلة بهيمنة حزبهم اليميني الشوفيني، «إسرائيل بيتنا»، على القرار الحكومي، خصوصا بعد أن أظهر زعيمهم، وزير الخارجية أفيغدور ليبرمان، استعداده لمعارضة أي تمديد جديد لعمليات الاستيطان، حتى لو أدت هذه المعارضة إلى حالة صدام مع الإدارة الأميركية.

من المبالغة الحديث عن تضارب مصالح روسية - أميركية في هذا المنعطف الدقيق من عملية السلام الفلسطينية - الإسرائيلية. ولكن من الصعب إنكار أبعاد ما أفرزته هذه الهجرة من تحول ديموغرافي مؤثر داخل المجتمع الإسرائيلي، وتحديدا داخل خريطته السياسية، بعد أن وصلت نسبة اليهود الروس إلى 20% من مجموع سكان إسرائيل.

معظم المهاجرين الروس الذين تدفقوا على إسرائيل بعد انهيار الاتحاد السوفياتي، حولوا مشاعر نقمتهم الدفينة على دبلوماسية الاتحاد السوفياتي السابق، المحابية للعرب، إلى مشاعر عداء مباشر للعرب الفلسطينيين، فأفرزوا أكثر من تيار وحزب يميني مناهض لأي «تنازل» كان للسلام (تيار شارنسكي، رئيس الوكالة اليهودية حاليا، ثم حزب «إسرائيل بعليا»، وأخيرا لا آخرا حزب «إسرائيل بيتنا»). بالنسبة للكثير من اليهود الروس، خصوصا الذين تزامن وصولهم مع الانتفاضة الفلسطينية أو بناء جدار الفصل العنصري أو حرب لبنان، لا تختلف حركة المقاومة الفلسطينية للاحتلال الإسرائيلي عن «العمليات الإرهابية» التي مارسها الشيشان في بلدهم السابق. وهؤلاء وجدوا بيئتهم السياسية الطبيعية في أحضان الأحزاب اليمينية الشوفينية التي أنعشوها في اقتراع أكثر من ثلثيهم لها، واضعين بالتالي نهاية سياسية لثقل حزب العمل على الساحة الداخلية.

من هنا صعوبة توقع إقدام زعيم يميني مثل بنيامين نتنياهو على «استعداء» الكتلة الناخبة الروسية اليمينية بامتياز.. إرضاء لرغبة أميركية قد تتراجع المطالبة بها مع الزمن.