الحرب وأوهام طهران

TT

على مدار السنوات الأربع الماضية، عمد الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد إلى طمأنة الشعب بأن سياسته الخارجية الاستفزازية لن تسفر عن مواجهة عسكرية مع خصوم بلاده بالمنطقة وما وراءها. وفي وقت سابق من هذا الأسبوع، ردد أحمدي نجاد العبارة المأثورة عن آية الله الخميني: «أميركا لا تقدر على فعل أي شيء!»، ووعد بإلقاء أميركا خارج المنطقة وتلقينها درسا.

جاء هذا الهجوم السريع من قبل الرئيس الإيراني ردا على تصريحات أدلى بها رئيس هيئة الأركان الأميركي، أدميرال مايك مولن، حول أنه جرت صياغة خطط طارئة لشن عمل عسكري ضد النظام الخميني.

لكن المؤسسة العسكرية الإيرانية، التي ستحمل على عاتقها مسؤولية التعامل مع أي حرب، هل تشارك الرئيس تفاؤله؟

الإجابة الموجزة هي: لا.

الشهر الماضي، استغل قادة الجيش النظامي مناسبات احتفالية رسمية روتينية لإطلاق تلميحات حول اعتقادهم بأن إمكانية تعرض الجمهورية الإسلامية لهجوم يتعذر استبعادها. كما أوضحوا أن قواتهم، التي تعاني ضعف مستوى تجهيزاتها، ستعجز عن التصدي لعدو أقوى يعتمد على أسلحة متطورة. وكان من شأن ذلك ظهور تقارير صحافية حول أن الحرس الثوري الإسلامي، وليس الجيش النظامي، أوكلت إليه مهمة التعامل مع أي هجوم محتمل.

هذا الأسبوع، أصبح واضحا أن الحرس الثوري الإسلامي أيضا لا يشارك الرئيس أوهامه، حيث أكد جنرال حسين حمداني، قائد الحرس الثوري الإسلامي داخل طهران، خلال مقابلة أجريت معه على أن «من يستبعدون تعرضنا لهجوم خاطئون. من جانبنا، نعتقد أن مسألة التعرض لهجوم تشكل احتمالا قائما».

وفي نقد مستتر لميل أحمدي نجاد للإدلاء بتصريحات استفزازية، حذر الجنرال من «خوض مغامرات»، مشددا على أنه لا ينبغي التقليل من خطورة أي عدو.

وبالحكم من خلال تعليقات حمداني، والتصريحات الصادرة عن قادة عسكريين آخرين حسبما ورد بالصحف الرسمية في طهران، يبدو أن الحرس الثوري الإسلامي، الذي تعهده أحمدي نجاد في البداية بالرعاية وفي المقابل دفع الحرس الثوري به نحو الرئاسة، قد فترت مشاعره تجاه راعيه.

والآن، يمكن القول بأن دعم الحرس الثوري الإسلامي لأحمدي نجاد نابع من الضرورة، وليس الاختيار. وقال حمداني: «سيتعين علينا حماية النظام حتى ولو كان بني صدر هو الرئيس».

في ظل الخطاب الخميني الراهن، فإن مقارنة أحمدي نجاد بأبو الحسن بني صدر، الذي تولى منصب رئيس الجمهورية الإسلامية لفترة قصيرة قبل الرحيل إلى المنفى، لا تعد بالأمر الإيجابي. والتساؤل الآن: ما هو تصور قادة الحرس الثوري الإيراني لصراع عسكري وكيف يأملون في التعامل معه؟

بالحكم من خلال التصريحات المعلنة، لا يبدو أنهم يعتقدون أن الولايات المتحدة ستقدم على شن غزو شامل ضد إيران مثلما فعلت بالعراق أو أفغانستان، وإنما ينظرون إلى أزمة تلوح في الأفق تضم خمس مراحل.

تتألف الأولى من اندلاع أعمال شغب داخلية ربما بسبب تفاقم الأوضاع الاقتصادية بالبلاد، وهو ما يطلق عليه «الفتنة الاقتصادية». ومن الممكن أن يتسبب اندلاع أعمال شغب من جانب القطاعات الأكثر فقرا من المجتمع في مزيد من التقويض لشرعية النظام، خاصة أنها بعد الثورة التي شهدها العام الماضي ضد إعادة انتخاب أحمدي نجاد.

في المرحلة الثانية، ينشر الحرس الثوري الإسلامي قواته عبر البلاد لحماية النظام. وبالنظر إلى عدد قواته البالغة 125.000 فرد، بجانب 300.000 من «الباسيج»، وهي قوة شبه عسكرية، فإنه سيكون من الصعب على الحرس الثوري تولي مسؤولية حماية دولة باتساع إيران.

في المرحلة الثالثة، تتعرض موارد الحرس الثوري الإسلامي لمزيد من الضغوط للتوافق مع الثورات المسلحة من جانب بعض الأقليات العرقية في إيران.

في المرحلة الرابعة، تستغل واشنطن قوتها الجوية المتفوقة في تدمير أنظمة القيادة والتحكم الخاصة بالحرس الثوري الإيراني وسحق وحداته النخبوية، خاصة قوة القدس المتمركزة قرب الحدود العراقية.

أما المرحلة الخامسة، فتحاول المعارضة الداخلية خلالها السيطرة على السلطة في طهران عبر إطلاق وعود بوقف الصراع وتجنب اشتعال حرب كاملة. بالنسبة للجيش النظامي الذي حرصت الهجمات الأميركية على تجنبه، فيشارك في هذه المرحلة من خلال دعم حكومة مؤقتة بقيادة رئيس الوزراء السابق مير حسين موسوي والرئيس السابق محمد خاتمي.

لكن كيف يأمل الحرس الثوري الإسلامي في التعامل مع الموقف؟ الإجابة الصادرة عن القادة العسكريين بسيطة: الحرب غير المتكافئة خارج الحدود الإيرانية، المصممة لتثبيط الولايات المتحدة عن توسيع دائرة الهجمات الأولية ضد منشآت إيرانية.

لكن كيف سيجري تنفيذ ذلك؟ يلف الغموض الإجابة التي يطرحها القادة العسكريون عن هذا التساؤل، حيث يدعون أن الأصول الإيرانية بالخارج، خاصة الفرع اللبناني لـ«حزب الله» و«حماس» في غزة، ستصدر لها أوامر بفتح جبهات جديدة، من المفترض أن يحدث ذلك عبر مهاجمة إسرائيل بالصواريخ. في ظل خطة طارئة، سيتولى ضباط الحرس الثوري الإيراني مسؤولية القيادة الكاملة لوحدات «حزب الله» في لبنان خلال الأزمة.

كما يسيطر الحرس الثوري الإسلامي على فيلق بدر وجيش المهدي بالعراق اللذين يتباهيان بأنهما يضمان قوة إجمالية تضم 15.000 فرد. في أفغانستان، يعتمد الحرس الثوري على قوة من 5000 فرد من مقاتلي شيعة هزارة على مسيرة يوم من كابل.

وأثارت وسائل الإعلام الإيرانية احتمالية حدوث «تعاون طارئ» مع جماعات غير شيعية بالمنطقة. يذكر أن الحرس الثوري الإسلامي تولى تمويل جماعة «الحزب الإسلامي» التابعة لقلب الدين حكمتيار، وهي جماعة سنية أفغانية، لسنوات وربما يمكنه الاعتماد عليها في شن عمليات ضد قوات حلف الناتو. ونظرا لأن حكمتيار على اتصال بطالبان، فإن بإمكانه أيضا العمل كجسر بين الحرس الثوري الإسلامي وقوات الملا عمر بأفغانستان.

إلا أن تحليل الحرس الثوري الإسلامي ينطوي على العديد من نقاط القصور، منها أنها يفترض أن الصراع سيستغرق وقتا طويلا كافيا حتى تؤثر الحرب غير المتكافئة على الرأي العام بالولايات المتحدة. إلا أن الصراع يمكن تقصير أمده إذا تبدل الوضع الإيراني الداخلي على نحو يضر بالحرس الثوري وصورته السياسية.

كما أنه من غير المؤكد ما إذا كان «حزب الله» اللبناني سيقدم على مخاطرة انتحارية على أمل إنقاذ نظام طهران المحتوم عليه بالموت. إن الشيخ حسن نصر الله على استعداد لتلقي أوامر من طهران ما دام «المرشد الأعلى» بإمكانه وقادرا على توقيع شيكات ضخمة.

وربما يتضح أيضا أن فيلق بدر وجيش المهدي صديقان في السراء فحسب. على أي حال، فإن قدرتهما على التفوق على الجيش العراقي الجديد وحلفائه الأميركيين ما تزال محل شك. يذكر أنه رغم خضوعه لقيادة ضباط من الحرس الثوري الإيراني آنذاك، لقي جيش المهدي هزيمة في معركة البصرة من جانب الوحدات العسكرية العراقية الجديدة بقيادة رئيس الوزراء نوري المالكي.

بالنسبة لقوة هزارة، فإن زعيمها عبد الكريم خليلي، يتولى حاليا منصب نائب رئيس أفغانستان بفضل الدعم الأميركي.

إضافة إلى ذلك، يعد الرئيس أحمدي نجاد مخطئا في استبعاد أي احتمالية لتعرض إيران لهجوم. كما أن قادة الحرس الثوري الإسلامي على خطأ في اعتمادهم على آخرين في مساعدة النظام للخروج من مأزقه في حال وقع هجوم.

إن السياسة الأكثر حكمة بالنسبة لإيران هي اتخاذ الإجراءات اللازمة لتجنب اندلاع صراع. بالنسبة لإيران، ليست هناك مصلحة وراء استثارة حرب هي بعيدة تماما عن كونها مستعدة لها.