جماهير «الكورة» هم الأبطال

TT

صار من المعتاد أن نشاهد أحداث الشغب في ملاعب الكرة العربية، فلم يكن الغريب ما حدث في القاهرة من شغب الجماهير التابعة لناد تونسي.

الأمر لم ينحصر في هذه الجماهير ولا في هذا النادي، بل إن الشغب نفسه لم يعد ينحصر في وقت إقامة المباراة، وهذا ما قد يكون راجعا لطبيعة الشحن ومجريات المباراة نفسها، فقد تجاوز ذلك إلى الشغب في الملعب أو على أسواره خارج وقت المباراة، بل من دون مباراة أصلا، ولأسباب لا علاقة مباشرة لها بكرة القدم، كما حدث مؤخرا في جنوب اليمن، حيث اقتحم العشرات من سكان مدينة (البريقة) غرب عدن، مقر نادي الشعلة الرياضي، وألحقوا به أضرارا، احتجاجا على ما وصفوه بعدم تجاوب السلطات الأمنية معهم بالإفراج عن معتقلين على ذمة قضية جنائية.

لا أريد الخوض في مسألة الشغب الجماهيري الرياضي، سواء أكانت المنافسات محلية أم مع أندية ومنتخبات دولة عربية أخرى، ولا عن دلالات هذه الأحداث والاحتكاكات على وجود أو عدم وجود رابطة قومية عربية، إذ درجت عادة بعض المذيعين الرياضيين على طرح أسئلة كبرى حول الهوية القومية والرابطة العربية، في حين أن الأمر ببساطة لا يعدو كونه «شغبا» وحماسا وانفعالا فالتا، يحدث لأي سبب وبين أي فريقين. وقد يكون الشحن سياسيا وقد لا يكون، ويحدث أيضا لدى العرب وغيرهم، كما في بعض ملاعب أميركا الجنوبية أو حتى الملاعب الأوروبية.

الفكرة التي طرأت في ذهني وأنا أشاهد هذه الصور عن تحول الجماهير إلى «مادة الخبر» عوض الفريق الرياضي نفسه هي أننا نعيش عصر الجماهير وليس عصر النخب أو المنتخبات!

خذ هذه الصورة الرياضية وانقلها إلى الإعلام.. نحن نعيش عصر إعلام الجماهير، الجمهور يخاطب الجمهور، الجمهور يكتب الخبر والجمهور هو مادة الخبر والجمهور يقرأ الخبر.. أين الفرق المتنافسة إذن التي يحتشد لها الجمهور؟!

تخيل معي الصورة التالية: ماذا لو أن الجمهور الرياضي نزل من مدرجه ولم يكتف بمجرد التشجيع لفريقه أو توجيه الشتائم للاعبي الفريق الآخر، بل تدفق هذا الجمهور إلى ساحة الملعب وشارك هو بنفسه في ركل الكرة وفعاليات المباراة بدل الاكتفاء بالتشجيع عن بعد وعدم صناعة اللعب نفسه؟!

هذا ما يحدث الآن، تقريبا، في ميدان الإعلام، حيث لم يعد الجمهور قانعا بمقاعده والاكتفاء بالفرجة والتشجيع، بل نزل هو بنفسه إلى ميدان الملعب وصار هو اللاعب! وأبرز ملاعبه ساحات الإنترنت ومئات القنوات الفضائية العربية ومئات المئات من البرامج الحوارية وبرامج الاتصالات، بحيث صارت تصدق علينا مقولة أحد علماء الإعلام والاتصال بأنه صار هناك حق لكل إنسان في العصر الحديث بدقيقة أو دقيقتين على التلفزيون أثناء حياته.

الأمر لم يقتصر على الإعلام والرياضة، بل تجاوز ذلك إلى السياسة والدين، فصارت الجماهير تنزل من مدرجاتها وتشارك في اللعب في هذه الميادين، كما نرى في العراق وغيره، حيث تحول «رؤساء روابط» المشجعين إلى لاعبين و«كباتنة» في الملعب.

اختلط الملعب باللاعبين والجماهير وحراس الأمن والمنظفين والعابرين، الجميع لاعب وملعب ولعبة، وجمهور وأبطال في نفس الوقت في مشهد سوريالي جديد على الجميع.