مطالب.. يرونها تعجيزية ونراها مشروعة

TT

تحاول أطراف سياسية وشخصيات، ومن يتوافق معها بالرؤية والآيديولوجيا، لا سيما من الكتاب الذين رضعوا ثقافة الاستبداد والديكتاتورية والشوفينية حد النخاع إبان زمن الدمج القسري للإثنيات والقوميات والثقافات والطوائف، زمن النظام الصدامي، الإيحاء بأن الكرد يشكلون إحدى العقبات في تشكيل الحكومة، وأنهم يفرضون اشتراطاتهم، وطالما رفعوا من سقف مطالبهم «التعجيزية».

المثير للدهشة أن هؤلاء الإعلاميين وبعض السياسيين يطرحون وجهات نظر باتت بضاعة لا تصلح لزمن الثورة المعلوماتية وثقافة حقوق الإنسان واحترام الآخر والمختلف.. وبدلا من خلق حالة تعزز العلائق والتعايش بين الإثنيات، سعى النظام السابق بقوة نحو التفرقة وإحداث الانشقاقات عبر فرض التعريب بالترهيب والترغيب، بغية إحداث الانشقاق واضطراب الهوية والذات، كما هو حاصل الآن في بعض ما يسمى بالمناطق المتنازع عليها أو اقتطاع مناطق وضمها قسرا لمحافظات تبعد عنها بمسافات شاسعة فضلا عن الاختلاف الطوبوغرافي للأرض وأحيانا الإثني.

عموما.. بعد هذه المقدمة، نقول: إن ما تقدم به الكرد يندرج ضمن المطالب الاعتيادية والطبيعية جدا وذات الأبعاد العراقية الصرفة، وليس كما يصورها البعض بأنها اشتراطات.. فهل يعتبر الالتزام بالدستور والمشاركة في الحكم ومنع احتكار السلطة مطالب تندرج ضمن الاشتراطات «التعجيزية»؟ وبعد الفشل الذريع الذي صاحب السياسة النفطية للحكومة الفيدرالية، وعلى مدى سبع سنين، وكبح جماح حالة الانطلاق في المشاريع الاستثمارية النفطية في الإقليم، وتعطيل 100 ألف برميل معدة للتصدير منذ ثلاث سنوات، بماذا نفسرها سوى دوافع ومصالح سياسية إذا عرفنا أن وارداتها ستصب في مصلحة الخزينة العراقية وليس لإقليم كردستان؟ ألا يندرج هذا ضمن المطالب العراقية؟!

أما بشأن الاستئثار بمنصب رئاسة الجمهورية، فقد أشار رئيس الجمهورية إلى أن المنصب خاضع للتفاوض، أي ثمة إشارة واضحة وصريحة، إلى أن شغل المنصب أمر متحرك ولا يعتبر من الأمور المقدسة أو كما يقال «خط أحمر».. والإصرار على تطبيق المادة 140 لأنها مادة دستورية، وتطبيقها سيعالج المشكلات التي ترحل سنة بعد أخرى، والترحيل أو التأجيل سيزيدها تعقيدا، وتأييد الكرد لإجراء التعداد السكاني ليس أمرا أو مطلبا كرديا بل هو مطلب عراقي تمليه الضرورة الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، فلا خطط تنموية ناجحة من دون إجراء الإحصاء.. وهناك رغبة أكيدة من قبل رئيس الوزراء لإجراء التعداد، فضلا عن أن وزارة التخطيط تصر على إجراء التعداد، وأنها قد أعلنت استكمال الإجراءات الفنية واللوجيستية كافة لتنفيذ التعداد في موعده المقرر أواخر أكتوبر (تشرين الأول).

وفيما يتعلق بتمويل وتسليح حرس الإقليم «البيشمركة» فنحن نرى أن البيشمركة هم جزء من المنظومة الأمنية للدفاع عن وحدة العراق وسيادته، وضمه بوصفه أحد التشكيلات العسكرية هو تعزيز لوحدة العراق، ثم ألم تشترك قوات البيشمركة في مختلف مناطق العراق للدفاع عن العراقيين ضد القوى المعادية من الإرهابيين والجماعات المسلحة، وأعطت الكثير من الشهداء من أجل العراق الديمقراطي الفيدرالي الموحد؟ فهل يعتبر هذا المطلب تدميريا وانفصاليا؟ وفي الجانب الآخر تكون الدعوات لتشكيل فرقتين في الموصل من رجال الاستخبارات والأمن العاملين في خدمة النظام المباد والضالعين في الكثير من الجرائم ضد الشعب العراقي، من الأمور مقبولة الطرح ولا تثير التساؤل.

لماذا تفسر وتؤول المقترحات والمطالب الكردية بأقصى درجات السلبية والريبة والشك، في حين تكون رؤى الآخرين مقبولة حتى إن اصطدمت بمصالح الشعب العراقي؟ فكم من القرارات والقوانين عطلت بسبب المصالح السياسية، وهذا ما أكده السيد المالكي في إحدى خطبه من أن هناك قوى سياسية أفشلت مشاريع اقتصادية استراتيجية، لا لشيء سوى التقاطع في الرؤى والمصالح السياسية، لماذا لا تعتبر هذه الخطوات تدميرية تسهم في فشل التجربة الديمقراطية؟ ومن ثم لماذا لا يشعر الكرد بالقلق والتأكيد على ضمانات لا تسمح بعودة الاستبداد والديكتاتورية؟ فهناك اتهامات من قبل السيد إياد علاوي وسياسيين آخرين من غير الكرد، تشير إلى خشيتها من تبرعم الاستبداد والديكتاتورية.

فعلام يثير العروبيون الكثير من الغبار على أي طرح كردي؟ ووفق ثقافة النظام المباد ليس لنا سوى التأكيد وتوفير القناعات عن حسن نوايانا وتقديم الشهادات بحسن السلوك.. أية رؤية شوفينية وعنصرية هذه؟! وأي تخريب للمنطق حين تفسر المطالب وتؤول بوصفها شروطا تعجيزية؟

* كاتبة وأكاديمية كردية