فيروس التطرف عابر القارات

TT

أوروبا اليوم في خوف وفوضى، لا تدري كيف تتصرف مع تزايد صفارات التحذير من الإرهاب المحسوب على المسلمين. في البضعة أيام الماضية تحولت معظم دول الاتحاد الأوروبي إلى وضع استنفاري تحسبا لعمليات هجومية وردت بها معلومات، بعضها من جنوب الصحراء الأفريقية، وبعضها رصد من الحدود الباكستانية الأفغانية حيث يوجد هناك عشرات من الألمان والفرنسيين وغيرهم، إضافة إلى مجاميع متطرفة بعضها مسلح تم القبض عليها في فرنسا وإيطاليا.

فرنسا هي أكثر الدول تحفزا وقلقا، حيث اعتقلت 11 متطرفا، ثم قبضت على تسعة متشددين، وعثرت بحوزتهم على أسلحة، ويعتقد أنهم خلية مساعدة لوجستية لـ«القاعدة».

كما اعتقل الأمن الإيطالي فرنسيا في الشهر الماضي للسبب نفسه.

وزارة داخلية بريطانيا مشغولة بجدل حول تأشيرة ألغتها، سبق أن منحتها لداعية مسلم هندي من مومباي. يقول ذاكر نايك إن المسؤولين الأمنيين سبق أن دعوه إلى زيارة البلاد، ومساعدتهم في تثقيف الجالية البريطانية المسلمة التي تتعرض لثقافة التطرف. ونايك نفسه صاحب محطة دينية دعوية اسمها «السلام»، وهي محل جدل كبير بدعوى أنها رغم اسمها المشجع على السلام فإنها تقوم بشحن المشاهدين.

الحكومة البريطانية رفضت السماح له بالزيارة في حين يصر الداعية على الحصول على التأشيرة ويريد ملاحقة وزيرة الداخلية البريطانية قانونيا!

وفي هولندا قضية مختلفة قليلا، حيث إن الذي يحاكم مسيحي، زعيم حزب متطرف يتهم بالتعريض بالإسلام، والتحريض على المسلمين، سبق له أن أنتج فيلما ضد القرآن.

ويبدو أنه نجح مبدئيا في تحويل المحكمة إلى منبر لجذب التعاطف حوله ضد الإسلام.

أما ألمانيا فإنها أخيرا بدأت مشروعا تثقيفيا للمسلمين على أراضيها، حيث قررت إعداد 320 إماما ومدرسا في العلوم الإسلامية يدرسون كذلك الثقافة الغربية.

الهدف توجيه نحو أربعة ملايين مسلم ألماني أو مقيم في ألمانيا من تركيا وأفريقيا، كما قررت الحكومة دعم التخصصات الإسلامية في الجامعات الألمانية بهدف مزج الثقافتين.

وروسيا أعطت أكثر التحذيرات تخويفا، بأن لديها معلومات عن جماعات إسلامية متطرفة تتسلح لعمليات كبيرة. ووفق رئيس المجلس الأمني الروسي فإن هذه الجماعات تسعى للحصول على مواد مشعة لاستخدامها في صناعة «قنبلة قذرة».

الذي يميز البيانات والتصريحات الجديدة أنها تجمع بشكل استثنائي على أن حمى الإرهاب في ازدياد، وأنها تجاوزت تخوم أفغانستان وباكستان والشرق الأوسط إلى أوروبا بشكل خاص.

في نظري هذه نتيجة طبيعية للتساهل مع الفكر المتطرف الذي يستغل مجتمع الحريات ويركب التقنية الحديثة، والذي ينتشر مثل الفيروسات. ينتقل مع المسافرين وعبر الهواء والملامسة، عبر الإعلام والإنترنت والمدارس. وكل هؤلاء الذين يحاربونه ينفقون أموالهم وجهودهم على النشاط الأمني وحسب، من جمع المعلومات والملاحقة والسجون ومراقبة الحدود وضبط تأشيرات السفر، في حين أن الخطر الحقيقي يكمن في الثقافة، ثقافة التطرف ودعاية الإرهاب التي لم تتوقف قط، بل آخذة في التوسع رغم كل ما يقال ويزعم من مواجهة وتثقيف وغيره.

الدول الأوروبية، مثل الحكومات الإسلامية، تظن أن نجاحاتها المؤقتة مؤشر على محاصرة الأزمة وكسب المعركة، وتعتقد أنها في كل مرة تضبط خلية نائمة أو نشطة تكون قد سددت ضربة لهذا الخطر، وهي في الحقيقة تكون قد أثبتت العكس، أثبتت أن التطرف نشط والإرهاب حي يتنفس.

[email protected]