مشيخة الجنون!!

TT

من أشهر ألقاب الطماطم أو (البندورة) المجنونة، وعلى رأسها تعقد راية «مشيخة» الجنون، فهي تتقاطع مع السياسة، والفتن، والتوترات، وغلاء الأسعار، والذين يذهبون إلى سوق الخضراوات صباحا يعرفون حينما يتعالى صوت الدلال في فضاء المكان صائحا: «علينا يا أهل المجنونة»، إنه يقصد الطماطم دون غيرها، فأسعارها أكثر تقلبا من أسعار الأسهم السعودية، إذا صعدت أو هبطت لا تسأل عن السبب، فلا أحد يعرف على وجه الدقة أسباب الصعود أو الهبوط، وليت جنون المجنونة يقف عند حد قفز الأسعار، لكن إطلاق لقب المجنونة على الطماطم لا ينحصر في جنون أسعارها فقط، فهي مجنونة لأنها أيضا قادرة على حشر ذاتها في قضايا السياسة، وإشعال الفتن والصراعات، ففي كل الأزمات فتش عن الطماطم.

فإبان الحرب الأهلية اللبنانية فقد البعض حياته ثمنا لـ«البندورة»، فعلى الحواجز كان يفرز الفلسطيني عن اللبناني من خلال نطقه كلمة «بندورة»، فاللبناني ينطق كلمة «بندورة» بفتح النون، أما الفلسطيني فينطقها بتسكين النون، وفي مناطق التماس كان الموت ينتظر من يسكن النون في حاجز، أو يفتح النون في حاجز آخر!!، وكثيرا ما تسببت الطماطم في توتر العلاقة بين المغرب وإسبانيا، حينما يثور زارعو المجنونة الإسبان على رفع حصة المغرب من صادرات الطماطم إلى دول أوروبا، فيقومون بمهاجمة الطماطم المغربية وإتلافها عند مرورها ببلادهم.

وأدرك العرب منذ القدم ما تجلبه الطماطم من فتن، فتجنبوا وصفها في أشعارهم، حتى إنني وجدت في كتاب «جواهر الأدب» أشعارا عن البطيخ والبلح والنبق وقصب السكر والجزر والنارنج والسفرجل والرمان، لكنني لم أجد بيتا واحدا يتحدث عن الطماطم، وتقود الطماطم هذه الأيام جنون الأسعار في عدد من الدول العربية، إذ قفزت أسعارها في السعودية - بحسب «الشرق الأوسط» عدد الخميس الماضي - إلى 45 في المائة فجأة، ودفعة واحدة، دون معرفة السبب، فذلك حكم القوي (الطماطم) على الضعيف (المستهلك).

ولا يخاف السياسيون الغربيون شيئا أكثر من الطماطم، فالمحتجون عادة يقذفون قادتهم بالطماطم كتعبير «حضاري» بدلا من الرصاص، وفي «بونول» بإسبانيا، خصصوا آخر أربعاء من شهر أغسطس (آب) للاحتفال بعراك الطماطم، إحياء لذكرى معركة الطماطم التي اندلعت في المدينة ذات يوم في منتصف عقد الأربعينات من القرن الماضي، حينما استعان المتعاركون في عراكهم بحبات الطماطم الموجودة على عربات البيع، وهذا الاحتفال السنوي يحضره سياح من كل مكان، يتراشقون بالطماطم على مدى ساعتين، حتى يغدو لون الأرض بلون الدم!

كفانا الله وإياكم فتنة الطماطم، خاصة حينما تعود إلى بيتك، وتجد زوجتك قد أسرفت في سكب الملح على «محشي الطماطم»، الذي تعتبره أكلتك المفضلة، فثمة بيوت تهدمت بسبب هذه الحمراء المجنونة.

[email protected]