السيد البدوي يزهق روح «الدستور»

TT

ولا ينبئك عن وجع القلب كمن ذاق المنع والقهر والبطش وكسر الروح في معية كسر الأقلام في ساحة النشر والرأي المسماة بلاط صاحبة الجلالة، الصحافة!

شاهد فجر الثلاثاء 5 أكتوبر زائرا يختلف عن زوار الفجر التقليديين، كان خبرا صحت له صحافة مصر تتحسس رقبتها وهي ترقب إزهاق روح جريدة سيارة، اسمها «الدستور»، لها شعبيتها التي تناطح شعبية منافسيها في الميدان المسمى «صحف المعارضة»، وتتجاور فيه، مع ذلك، أقلام الحكوميين وتيارات المعارضة مختلفة المشارب من أول المطالبين بإلغاء المادة الثانية من الدستور، التي تنص على أن مبادئ الشريعة الإسلامية هي المصدر الرئيسي للتشريع، حتى المطالبين بتأكــيد مبدأ «الإســلام دين ودولة»!

في مداهمة صادمة، أعلنت الإدارة الجديدة المالكة للجريدة إقالة رئيس التحرير إبراهيم عيسى الذي ارتبط بالجريدة منذ تأسيسها عام 1995 رئيسا لتحريرها وراسما لسياستها ومبتكرا للغتها ومشكلا لطابعها الخاص، المازج بين سخونة الطرح وخفة الظل، ما استوجب، بالضرورة، استقطاب مجموعة من شباب الصحافة والكتابة، لديهم موهبة التقاط وإبراز زوايا الأحداث المثيرة للاهتمام ويمتلكون ناصية فن التعبير اللاذع في نقد ما يعن لهم في السياسة والثقافة والفنون وأحوال البلاد على العموم، كوّنوا مع رئيس تحريرهم علاقة عمل متناغمة متفاهمة تغلب عليها روح الهواية غير الضانة بالبذل والعطاء قبل حسابات المكاسب والمنافع.

وبواقع أن الإدارة الجديدة بدت غير مقدرة لطبيعة المشروع الصحافي، الذي تمثلته هيئة تحرير الجريدة وارتاح له كتابها الثابتون والمشاركون بمقالات الرأي من الخارج، المكلفون بالكتابة والمتطوعون لنشر مقالاتهم بلا مقابل لجوءا إلى منبر يتسع صدره للاختلاف، كان من المنطقي أن يؤدي قرار إقالة رئيس التحرير إلى ذلك الارتطام المدوي بين عقليتين متباعدتين عن بعضهما بعد المشرق عن المغرب: عقلية مالكة جديدة ليس لها باع في فن إدارة الصحف والنشر، صماء عمياء، تشبه إلى حد كبير العقلية العسكرية التي جثمت على أنفاس دور الصحف المصرية، فور قرار تأميمها عام 1960، فأزهقت روحها بفصل رؤوسها عن أجسادها وأطاحت بنوابغ الفن الصحافي إلى شتات انتزع منهم فتيل التوقد والابتكار والفرح، في مقابل عقلية لم تخف سعيها الرومانسي، إن صح التعبير، لبعث صحافة الرأي وتأكيد حق وحرية الاختلاف، وحاولت بجهد جهيد أن تتواصل مع تراث فن كتابة المقال بمحاولات شابة جديرة بالإعجاب والتقدير.

المسألة إذن ليست، كما قد يبدو للبعض، مجرد إجراء روتيني مما يحدث عادة في مؤسسات صحافية ترى المصلحة في تغيير رئيس تحرير، بل هي نزع فتيل التوقد لجريدة اتسمت بالحيوية، وإزهاق فظ لروحها بلا مبرر ومن غير مصلحة.

ولا حول ولا قوة إلا بالله!