أسبوع جديد.. ولبنان وشرق أوسط مختلفان

TT

«آية المنافق ثلاث، إذا حدث كذب، وإذا وعد أخلف، وإذا أؤتمن خان».

(حديث شريف - صدق رسول الله)

إنها لساعات مفعمة بالمفاصل الخطرة في منطقة الشرق الأوسط. ولئن كان العجز العربي قد عبّر عن نفسه أمس ببلاغة ما بعدها بلاغة في «قمة سرت» حيال الوضع الفلسطيني، وهو ما انسحب منذ بعض الوقت استسلاما كاملا لتقسيم السودان و«فرسنة» العراق، فإن الساعات القليلة المقبلة في لبنان ستبدأ مسارا من شأنه إعادة رسم خريطة المنطقة.

إنه أسبوع جديد يدخل على لبنان والشرق الأوسط. والأرجح، أنه لن ينتهي إلا ونحن أمام معطيات مختلفة تماما عما كنا نألف.. ونتصور أننا نعرف.

قد لا يكون هناك جديد على صعيد الكلام.

فالجميع، بلا استثناء، «قلقون» على المصير، ولذا فكلهم مع الأخوّة العربية والعمل العربي المشترك. أهل السياسة في العراق «قلقون» وكلهم «ضد الفتنة والانقسام».. مع أن هذا بالضبط ما يندفعون - أو ما يُدفعون - إليه. والقيادة السورية «قلقة» على لبنان - كما قال الرئيس بشار الأسد - ولا سيما من التدخل «الأجنبي» فيه، بل إنها، وهي التي تحكم بلدا لا يمارس «فصل السلطات»، تؤكد أنها لا تتدخل البتة في شؤون لبنان الداخلية.. وإن كان هذا الشق السياسي لا ينطبق على الشقين القضائي والأمني.

إيران أيضا، يئست من وهن العرب وتخاذلهم، فشمرت عن ساعد التحرير. وها هو الرئيس محمود أحمدي نجاد في «وطنه الثاني» - أو لعله الأول - يبارك انتصار «المقاومة» وتوليها السلطة الفعلية في لبنان. وفي ضوء هذا التطور «الخطير» - حسب التعليقات الإسرائيلية - تعرب تل أبيب أيضا عن «قلقها»، لكن هذا القلق - طبعا - لا يترجَم على الأرض بإبطاء إيقاع الاستيطان، أو التخفيف من الدعم المعنوي والسياسي الثمين لصدقية ما يسمى بـ«محور المقاومة والممانعة».

ثم إن نسينا، فلا ننسى الولايات المتحدة وفرنسا.

فإدارة الرئيس باراك أوباما تكرّر الكلام نفسه عن دعمها لاستقلال لبنان وسيادته، تماما كسابقتها. ثم إنها تعرب أيضا عن «القلق» من زيارة أحمدي نجاد واحتمال توقيع لبنان - المحتل واقعا - اتفاقيات تنتهك الحظر الدولي المفروض على إيران، لكنها مع ذلك، ترسل فريدريك هوف، مساعد جورج ميتشل، إلى دمشق لمواصلة الحوار الأميركي - السوري!

كذلك يساور «القلق» والحرص على استقلال لبنان وسيادته باريس - نيكولا ساركوزي، التي كانت أول من انقلب على شعارات استقلال لبنان وسيادته، وأول من أعاد تأهيل دمشق في أروقة عواصم القرار الدولي بعد اغتيال رفيق الحريري يوم 14 فبراير (شباط) 2005. وهي تواصل اليوم، بقيادة «مطبخ» قصر الإليزيه، السير قدما في تسهيل إعادة عقارب الساعة إلى الوراء.. ولو على أنقاض المحكمة الدولية الخاصة بلبنان.

ما يُقال من كلام من جميع الاتجاهات واضح إذن، غير أن مشكلتنا الآن مع الفعل.

في أي حال.. «ربّ ضارة نافعة»، والدروس المستفادة إزاء ما حدث ويحدث في لبنان وحده، على الأقل، خلال الأسبوعين الأخيرين دروس ثمينة جدا، وباعتقادي استوعبها أصحاب العلاقة.

فالنيات غدت واضحة، والتحالفات الاستراتيجية الحقيقية ما عادت بحاجة لتمويه. وأي رهان أو توريط للآخرين في غير محله سيكون خطيئة يستحيل تبريرها.. أو حتى إيجاد أسباب تخفيفية لها.

إن ما يحدث في لبنان من حرب مفتوحة ضد المحكمة الدولية، والتشكيك بها، والإصرار على مقاومتها بإثارة موضوع من يوصفون بـ«شهود الزور»، وكأن المحكمة أخذت بإفاداتهم وبنت عليها قرارها الظني - المجهول حتى الآن - ليست إلا معركة ابتزاز للمجتمع الدولي، وتحديدا للقوتين المترددتين أو المتواطئتين فيه.. واشنطن وباريس.

فالجهات التي تخوض هذه المعركة تدرك أن مجلس الأمن الدولي هو الذي أسّس المحكمة. وبالتالي، لا قدرة لأي حكومة لبنانية، سواء ترأسها سعد الحريري أو غيره، على إلغائها. ومع هذا فإنها تصعّد المعركة، آخذة الشعب اللبناني رهينة، من أجل فتح القوى الكبرى حوارا معها يتفق فيه على الثمن.

ما تريده هذه الجهات هو صفقة إقليمية تحصل من خلالها على طلبات معينة معروفة من واشنطن وباريس، اللتين روجتا طويلا لأكذوبة «فصل دمشق عن طهران»، وباعتاها للعالم العربي.

هذه الأكذوبة انكشفت الآن. فمن يا ترى سيدفع ثمنها الباهظ، بعد اللبنانيين واستقلالهم المغدور؟