زيارة!

TT

يستعد لبنان لاستقبال الرئيس الإيراني أحمدي نجاد، ويربط الكثيرون الزيارة بالعامل النفسي الذي ستسفر عنه وتفرزه وأنه قد يكون نقطة انطلاق الشرارة للاضطرابات في الشارع اللبناني لمن يهدد باللجوء للشارع. فهو يأتي بالنسبة للبعض في لبنان كنصير المقاومة الأول ورئيس للجمهورية «الإسلامية» الإيرانية وهو قادم لزيارة مناطق ببلد يكن له ولاء وتلازما استثنائيا، ولكن تستحق شخصية نجاد والموقف الإيراني وقفة تحليل لمحاولة الفهم والاستيعاب.

أحمدي نجاد خليط عجيب من التناقضات اللافتة؛ فهو من جهة يحاول أن يكون «غاندي» عصره بملابسه البسيطة وهندامه البعيد عن البهرجة وإصراره على التبسط (ركب بإحرامه في صندوق عربة نصف نقل «هايلوكس تويوتا» خلال أدائه الحج وطبعا تم التصوير ونقل الصورة عبر الإنترنت!)، ومن جهة أخرى هو في أسلوبه أشبه بكسرى وقيصر وخطب العظمة و«الأنا» العالية وهو يصور الحيرة التي يقع فيها الخطاب الديني الإيراني تحديدا.

ومن الناحية الحضارية، فقد كان الإيرانيون يعتقدون دوما أنهم، كحضارة، أهم وأعرق وأنقى من العرب، وأن الشواهد والأدلة تؤكد حجتهم؛ لذلك فهم كانوا ينظرون دوما إلى العرب بصورة فوقية وبتمايز طبقي، ومن جهة ثانية لا يمكن إغفال الأسلوب الطاغي على الفكر الشيعي بإيران تحديدا والإحساس بالمظلومية وعقيدة مهدوية كربلائية مؤصلة تجعل من تكريس الطرح المأساوي والمغدور به مسألة أساسية.

وعليه، فإن طرح نجاد في العراق وفي بعض المناطق من لبنان هو مستأثر بهذا التناقض في التركيبة الشخصية لإيران ونجاد تحديدا، والأهم أن نجاد يكرس فكرة المظلومية وأن هناك «استهدافا» مقصودا وأن الكل لا يفهم مقصدنا الحقيقي، وعليه بالتالي نحن سنكون في قالب ومركب واحد وعرضة للقتل الجماعي أو الانتحار الجماعي، وهو الذي يجعل من فكرة «النزول إلى الشارع» مفهومة من التراث الكربلائي وفكرة «عليَّ وعلى أعدائي»، وطبعا كان دوما هناك رفع لجدار المهابة والهيبة الخاصة بالحزب؛ فالزعامة لإمام ولي فقيه له العصمة والمال مال طاهر لا شبهة فيه ولا غبار على مصدره، وإن إعلامه موجه لقضية المقاومة، والمقاومة لها حزبها المسمى «حزب الله».. إنه نموذج للدقة في التفاصيل والمهارة في الإخراج. وإيران تعلم أن الحزب اليوم هو أداة التسويق والترويج والاستقطاب الأول لها في المنطقة لأجل تصدير ونشر مشروعها الثوري، وبالتالي لن تقصر أو تتردد في دعمه والوقوف معه.

«الدعم الثوري» للبنان كان طائفيا وبامتياز، وهو دعم أثار في نفوس سائر اللبنانيين الآخرين الخوف والقلق من تسييس الشارع والمقاومة لأجل أهداف «أخرى»، مما ولد ريبة وشكا ضد مقاومة باسلة كانت من الممكن أن تبقى كذلك لولا ما أصابها من تغيير بالبوصلة وتبديل في الأهداف أربكا البلاد وأخافا المواطن وجعلا دورها الجديد في موقع حيرة للأغلبية.

اللبنانيون، بدلا من الانشغال بحدث فريد وممتع وجميل، وهو عودة فيروز لإطلالتها الجماهيرية واستمتاعهم بأجمل ما أخرجت بلادهم للعالم من جمال الصوت البشري الساحر الذي استطاع أن يوحد اللبنانيين حوله وأن ينالوا بسببه تقدير العالم، هاهم من جديد يلتفون حول «الغريب المنقذ»، هم دوما يبحثون عن الشخصية التي تأتي من «الخارج» لإنقاذهم، وهذا يظهر الكم الهائل من تدني مستويات الثقة بالنفس الكامنة لدى الكثير من اللبنانيين.

زيارة أحمدي نجاد للبنان فيها رمزيات هائلة ومعانٍ لافتة؛ «بعض» لبنان بحاجة لهذه الزيارة ليظهر للناس أن له «ظهرا» يحتمي به وفيه، وإيران، وتحديدا أحمدي نجاد، بحاجة للزيارة ليظهر للعالم أن برنامجه السياسي يتخطى الحدود ويصل إلى خارج بلاده وأنه هو صوت المقاومة. والحقيقة المرة التي يصعب هضمها بالنسبة للطرفين هي أن كليهما على خطأ؛ لأن هاتين الفرضيتين بنيتا على الوهم!

[email protected]