الشاهدة شاهد

TT

لا أدري لماذا سمت العرب الألواح المقامة على القبور بالشواهد. ربما لتشهد على حياة من فقد الحياة. وعليه فالمفروض فيها أن تكون صادقة وبليغة. اشتهر بيننا ما أوصى أبو العلاء المعري بكتابته على قبره:

* هذا جناه أبي علي - وما جنيت على أحد

* العجيب أن أحدا من الباحثين أو المؤرخين أو الأدباء من بيننا لم يقدم على دراسة ما ورد على شواهد القبور، ربما لأن الموتى لا يملكون ما يجودون به من مكرمات على الشعراء والأدباء، فاكتفى هؤلاء بمدح من يدفعون. بيد أن هناك مجموعات ودراسات ضافية في المكتبات الأجنبية عن هذا الموضوع. وجدت فيها باللغة الإنجليزية ما يقابل كلمات المعري. أوصى أديب إنجليزي بكتابة هذه الكلمات على شاهدة قبره، وفيها من روح الظرف الإنجليزي ما لا نجده في شاهدة المعري السوداوية:

«أنا سمث من أهل ستوك. مت عن ستين عاما، وعشت دون امرأة طيلة شبابي وحتى مماتي. كم تمنيت من الله لو أن والدي قد فعل مثل ما فعلت».

من الممارسات الأدبية في الغرب التبرع في اقتراح كلمات الشواهد لأصحابهم وعظمائهم، حتى شكلت باباً من أبواب الأدب والشعر، باب «الابيتاف». كان منها ما سطره الأسقف ممبو لشاهدة الرسام الإيطالي الشهير، روفائيل:

«هنا ترقد رفات رجل كانت الطبيعة تخشى أن يكسفها في حياته ويميتها بموته».

واقترح برنارد شو أن يكتبوا عن صديقه الأديب والرسام الاشتراكي: «رجل لا تفقده بموته ولكنك ستفقده بموتك أنت».

تتحول «الابيتاف» أحيانا إلى نقيض ذلك فتصبح نوعا من أنواع الهجاء. كان منها ما اقترحه الروائي والشاعر الإنجليزي الشهير توماس هاردي أن يكتبوا على شاهدة جورج مور:

«لا أحد تحت هذه السماء يستطيع أن يكتب في الإنجليزية مثل ما أكتب. يقولون إنها لا تحتوي على أي فكرة لم أسرقها من غيري. ماذا في ذلك؟ فهل من شيء لا ينقصه الكمال».

«كبوا عليه كل ما عندكم من تنكات الزبالة. فلن تبلغ قمة ما تميز به من غرور!».

وقد عبر أحد الأدباء عن روحه المتشائمة والسوداوية فأوصى بأن يكتبوا على قبره:

«يا ليتني أحببت الجنس البشري

يا ليتني أحببت وجوه بني آدم السخيفة!

يا ليتني أعجبت بمشيتهم!

وكلما عرفوني بشخص لم أعرفه

يا ليتني قلت لنفسي ما أظرفه من شخص!