ليتها وقفت عند الشوارع يا أمير

TT

تنقية الشوارع وقاعات الفنادق والمحلات التجارية في منطقة مكة المكرمة من كافة الأسماء الأجنبية، وإمهال الجهات المسؤولة عن هذه الأسماء ستة أشهر لتنفيذ توجيهات الأمير خالد الفيصل، أمير منطقة مكة المكرمة، أمر تأخر كثيرا، حتى أوشكنا على الإحساس بالغربة، ونحن نسير في شوارع المدن، وسط غابة اللوحات التجارية التي تشعرك أنك تسير في مدن توشك أن تعزل تاريخها ولغتها وحروفها خلف أسماء ولغات وحروف أجنبية دخيلة على ثقافتها وتاريخها، ومن المؤكد أن هذه الأسماء الأجنبية قد تجاوزت الشوارع وقاعات الفنادق والمحلات التجارية إلى الأفراد، وغدا بعضنا يحمل أسماء «جاكي»، و«نيفين»، و«مارلين» إلى آخر قوائم الاغتراب.

أعرف أن لحالة الاستلاب التي نعيشها في مواجهة الثقافة الغربية أثرها وتأثيرها على ممارسة «التقليد الأعمى»، ولكن لم أكن أظن أنها تصل إلى الدرجة التي تقتلعنا من ذواتنا، خاصة أننا أمة ثرية بتاريخها، وعراقتها، وأعلامها، ولدينا ما يكفينا من الأسماء التي يمكن أن نتوارثها ونعتز بها حتى قيام الساعة، وأذكر أنني ذات طموح تجاري، يتيم، ووحيد، ومنقطع، وغير متكرر، فكرت في إنشاء مؤسسة تجارية في أحد فروع الإعلام، اخترت لها اسما عربيا، فنصحني خبير متمرس في العقد النفسية العربية الطارئة بأن اختار لها اسما أجنبيا إذا أردت لها القبول بدلا من الاسم «البلدي» على حد تعبيره، فرفضت، ولم تصمد مؤسستي الوليدة باسمها العربي أكثر من عام حتى أغلقت أبوابها «بالضبة والمفتاح» أمام منافسة المؤسسات التي تحمل أسماء، توحي بالعالمية، وأن نشاطاتها تمتد من سان فرانسيسكو إلى أمستردام.

أنا في انتظار انتهاء مهلة الستة أشهر التي حددتها الإمارة لأمتع ناظري باختفاء أسماء مثل: «حلاق فينيسيا»، ومقهى «بورد وي»، ومطعم «الشانزليزيه»، وعجلاتي «كوبنهاجن»، وخيّاط الـ«فايف ستارز»، وورشة «شنغهاي»، أما أصحاب وصاحبات الأسماء المستغربة مثل «ميكي» و«ريكي» و«ديكي»، فقد نحتاج إلى الانتظار طويلا حتى يأخذ الله وديعته ـ بعد عمر طويل ـ بشرط أن نغلق الصنبور، فلا يهطل على رؤوس أجيالنا الجديدة بالمزيد من هذه الأسماء.

وليت توجيهات الأمير تمتلك القوة لدخول البيوت لتعيد ألسن الصغار في بعض بيوتنا من ركاب «بابي» و«دادي» و«مامي» و«تيتا»، و«ميتا» إلى مفردات الطفولة الأصيلة التي أصبحت في نظر الكثيرين «دقّة قديمة»، فالاغتراب يبدأ من هنا.

[email protected]