الانسحاب من المحكمة

TT

أعتقد أن المحكمة الجنائية الدولية المختصة في جريمة اغتيال رفيق الحريري، رئيس وزراء لبنان الأسبق، تأخرت كثيرا في إعلان أسماء المتهمين، وربما صار لزاما أن تذيعها فورا، حتى تخفف من الاحتقان ومخاطره المحتملة في لبنان. كان منتظرا أن تعلن المحكمة أسماء المشتبه بهم في شهر سبتمبر (أيلول) المنصرم، لكن يقال إنه أرجئ الإعلان من أجل تهدئة الوضع وترتيبه. وكما نرى، مع كل يوم يمر ترتفع درجة حرارة الخلاف وتزداد المخاوف. ولو أن المحكمة كشفت الأسماء منذ عام أو شهر، ربما حسمت وانتقل النزاع إلى لاهاي، هذا إذا كانت القائمة مقصورة فقط على الأفراد المنفذين لا المؤسسات والأفراد الكبار.

الشائعات حول قائمة المتهمين كثيرة، ويبدو أنها تجمع على أنهم أفراد في حزب الله. ويقال إن أبرز المتهمين قد قضوا، أبرزهم عماد مغنية، القائد العسكري للحزب، وإن آخرهم الذي قتل في حادث اشتباك حزب الله مع جماعة الأحباش في بيروت. ولو كنت من المصدقين بأن المحكمة مسيسة لاقتنعت بأن القائمة السرية قائمة مفتوحة يضاف إليها كل قتيل من الجهات المشتبه فيها بهدف نزع الفتيل ودفن القضية مع الأموات.

الموضوع الأهم ليس في ملاحقة قتلة الأموات بل في حماية الأحياء. السؤال الآن هو: هل من الحكمة أن ينسحب أهل القضية؟ والحكمة هنا تعني قراءة عواقب ما يحدث. وما يحدث في لبنان مقلق حقا؛ فقد صار وضع أهالي المغتالين، الحريري وبقية رفاقه، صعبا للغاية؛ حيث يستيقظون كل يوم على مزيد من التهديدات الصريحة بسحب الاتهام ووقف المحكمة وإلا... وقد يأتي اليوم الأصعب الذي قد يكون الانسحاب خيارا متأخرا جدا.

المحكمة ستذيع الاتهامات فقط، لكنها لن تستطيع حماية الأحياء. والمجتمع الدولي لن يحميهم أيضا. هذا هو الواقع الذي لا بد من الاعتراف به، وفي تصوري أن الضغط إن ازداد سيضطرهم للتراجع؛ لأنها مقارعة بين مسلح وآخر أعزل. ومن حق أهالي الضحايا أن يفخروا اليوم بأن العالم بات يعرف الحقيقة، وأن الجميع، بمن فيهم أتباع الأقلية في لبنان، يدرون أن قتلة الحريري وبقية المغدورين لم يكونوا إسرائيليين ولا أميركيين ولا أجراما غريبة من الفضاء، بل من بينهم، القصة صارت واضحة. باتت معروفة على الرغم من محاولات التشويش على الاتهامات من خلال طرح ملف شهود الزور، الذين ليسوا أصلا طرفا في الدعاوى القضائية. والقضية قوية، على الرغم من محاولات التشكيك في الأدلة بالادعاء أن مؤسسة الاتصالات اللبنانية كانت مخترقة من قبل الإسرائيليين.

وما دام القتلة معروفين فإن من المعروف سلفا أنهم لن يسلموا أنفسهم إن كانوا أحياء الآن، ولن تسلمهم جماعتهم أيضا، ولن تصل قوات دولية للقبض عليهم بخلاف ما جرى للمتهمين في محاكمة مجرمي يوغوسلافيا، فالوضع مختلف تماما.

لا أقول انسحبوا من المحكمة، بل ابحثوا في الوضع بتفاصيله، الخيارات محدودة إن كانت هناك خيارات قد بقيت.

[email protected]