هل يتغلب المالكي على معضلاته ويشكل الحكومة؟

TT

أثبتت كتل سياسية عراقية قدرة فائقة في تغيير المواقف بزوايا حادة، أثارت علامات تعجب كبيرة. ولم يعد ممكنا التأسيس على مواقف وتعهدات؛ فقد غير الصدريون وآخرون من قوى الائتلاف مواقفهم، وانقلبوا على «المجلس الأعلى» دون إعطاء مهلة أو إنذار أو تبرير، فأعطوا المالكي متنفسا قويا بتغيير المعادلات. والحديث عن وجود اتصالات لثلاثين عضوا من كتلة «العراقية» مع «دولة القانون» يتردد يوميا دون دليل، حتى لو كان ضعيفا. و«التوافق» تتضارب تصريحات أعضائها. وهكذا لم تبق كتلة واحدة متماسكة تنظيميا وإعلاميا عدا الكرد. والكل يدورون حول مصالحهم ورؤيتهم.

انتقال الصدريين من موقع إلى آخر أفقدهم بعض ما كسبوه من عناصر القوة السياسية والمعنوية، وكثير من رموز التيار اختفوا فجأة عن شاشات التلفزيون، لأنهم فقدوا القدرة على إقناع المتلقين بمبررات تحولهم السريع. ويبدو أن الأميركيين منزعجون فعلا من الاتفاق بين «الدعوة» و«التيار»، لأنه - على الأقل - ولد نتيجة ضغوط إيرانية خارج حساباتهم. وهو ما دفعهم إلى مراجعة حسابات بنيت على قواعد افتراضية. فدخلت عناصر جديدة على المعضلات التي يواجهها المالكي، يستحيل حلها، إن لم تحصل اختراقات أكثر قوة.

المعضلة الأولى ترتبط بالورقة الكردية؛ فعلى الرغم من الإشارات الإيجابية التي يطلقها الكرد عن قبول المالكي بـ18 فقرة من أصل 19 تضمنتها ورقتهم، لا يزال الموقف معقدا. فبيت «دولة القانون» غير متجانس في مواقفه تجاه الكرد. والمعروف عن التيار الصدري تحفظه على مطالبهم، والشهرستاني كان طيلة السنوات الأربع الأخيرة مصدر وجع رأس لإدارة الإقليم بوقوفه ضد سياستها النفطية. والجعفري أجبر على التخلي عن فوزه برئاسة الحكومة السابقة بسبب اعتراضات كردية، فهل يساعد نده المالكي على البقاء بما أفقده المنصب؟

لا يستبعد أن تقرر قوى «التحالف الوطني» اللجوء إلى«التقية» بإعطاء وعود قابلة للمراجعة بعد الوصول إلى الحكومة، وهذا ليس تأليبا. لذلك، طالب الكرد التحالف بتوقيع كل قادته على ورقتهم وليس المالكي وحده. وتجربة العراق الجديد تثبت صعوبة التعويل على تعهدات سياسية. وقد فشلت الحكومة الحالية في الاختبار الأول المتعلق بإجراء التعداد السكاني في موعده المقرر، لأنها لا تملك حيلة لإجبار العرب والتركمان في محافظات كركوك والموصل وديالى وصلاح الدين على المشاركة فيه، أو أنها لا تريد التعداد أصلا. وفي كل الأحوال، وبصرف النظر عن الكتلة التي سيتفقون معها، فإن ما سيحصل عليه الكرد سيسجل رقما متقدما يجعلهم في وضع أكثر قوة.

أنا أيضا لدي شكوك في بعض نواب «العراقية»، ولا أرجح بقاءهم على خط المطالب الجماعية المعلنة. غير أنهم يشعرون بخطر على مستقبلهم السياسي، لو ساعدوا كتلة «دولة القانون» على تنفيذ برامجها. وهذا هو حال بعض أعضاء «جبهة التوافق» الستة وبعض أعضاء «وحدة العراق» الأربعة. فالسنة قاطعوا «دولة القانون» مقاطعة شاملة في الانتخابات الأخيرة، وأي خرق لتوجههم يصعب التكهن بردود الفعل السياسية والاجتماعية عليه.

كتلة «العراقية» لا تزال متمسكة بتشكيل الحكومة، لأنها ترى من الصعب الموافقة على مرشح تتفوق برلمانيا على كتلته. وهي نظرة لا يمكن الأخذ بها قياسا في حالات كثيرة. والاتفاق بينها وبين الكرد قد لا يكون متوقعا، إن لم يتدخل طرف ثالث للتسوية بين الطرفين. ومثل هذا الطرف لم يظهر حتى الآن.

وإذا ما تشكلت الحكومة وفق المعطيات المطروحة. فستكون حكومة هامشية ضعيفة مهزوزة لا تصلح لقيادة بلد مضطرب كالعراق. وإذا فقد رئيس الوزراء القدرة على السيطرة على أداء وزاراته، فلن يستطيع فرض الأمن، ولا ضمان التوزيع العادل للثروات، ولا تحقيق المصالحة، ولا حل واحدة من معضلات العراق التي تزداد تنوعا كل يوم. وفي النتيجة يوضع العراق على طريق التقسيم أو التصادم أو على الطريقين معا.

ومن وجهة نظر كثير من السياسيين، فإن رئيس وزراء مقيدا ووزارة غير متماسكة أفضل كثيرا من أن تكون الحكومة قوية ولا تعتمد نهجا وطنيا بعيدا عن الطائفية، وتسييس القضاء، والتحكم في ثروات البلد، وتعميم ثقافة المعلومات الكيدية. وبين الحالتين تزداد المشكلات الوطنية تعقيدا.

وهكذا تبدو المعضلات أكثر تعقيدا، إلا أن المالكي أصبح أكثر تأثيرا من الناحية السياسية، وإذا ما بقيت كتلته متماسكة، فلا ولادة قريبة لحكومة أخرى.