زيارة أم زيارتان؟

TT

في زيارة الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد إلى لبنان التي تبدأ غدا، جانبان؛ الأول لقاءات رسمية واجتماعات ومباحثات مع الرئيس والحكومة واتفاقات، وجانب آخر هو الذي يستحوذ على الاهتمام والترقب بترتيباته التي ما زالت غامضة حتى الآن، وهو الخاص بالاحتفال الشعبي الذي سينظمه له حزب الله في الضاحية الجنوبية وكيفية ترتيب اللقاء مع زعيم الحزب حسن نصر الله المختفي في مكان سري أو لم يظهر علانية منذ حرب 2006، وكذلك زيارة الجنوب اللبناني.

قد يبدو الأمر بالنسبة للبروتوكولات المتعارف عليها في علاقات الدول والزيارات الرسمية غريبا بعض الشيء، لكنه في الحالة اللبنانية يتسق مع واقع أن هناك دولة حزب موازية للدولة الرسمية، وهي أقوى عمليا وبقوة السلاح من المؤسسات الرسمية، وتستطيع أن تأخذ قرارات مصيرية مثل قرار الحرب والسلم وتفرضه على المجتمع كله.

وترتيبات الزيارة المثيرة للجدل توحي بأنها زيارتان وليست زيارة واحدة، الأولى إلى الدولة اللبنانية، والثانية وهي الأهم إلى دولة حزب الله الحليفة والتي تتلقى دعمها المالي والعسكري من النظام الإيراني.

وهذه ليست أول زيارة لرئيس إيراني إلى لبنان، فقد زاره الرئيس السابق محمد خاتمي في 2003، ولم تشهد وقتها جدلا وانقساما داخل لبنان، مثل الزيارة الحالية. فالرئيس السابق كان وجها مقبولا عربيا ودوليا ويتمتع بعلاقات جيدة إقليميا، وظروف لبنان كانت مختلفة، بينما الوضع الحالي يبدو فيه أحمدي نجاد وكأنه طرف في الانقسام الحادث داخليا حاليا بين أصحاب مصطلح «لبنان المقاوم»، والفريق الآخر الذي يرى في ذلك مجرد شعار لجعل لبنان ورقة في صراع أكبر منه بين طهران والقوى الغربية فيما يتعلق بالملف النووي.

الإشارات والتصريحات الصادرة من الأطراف السياسية اللبنانية لا تخفي ذلك، فحزب الله الذي خرج أمينه العام ليدعو اللبنانيين إلى استقبال نجاد باعتباره ضيف البلد كله، بينما تدعو قناته التلفزيونية اللبنانيين إلى الاحتشاد على طول طريق المطار لاستقباله، خرج البروتوكول وحل مكان الدولة في ترتيبات زيارة ضيف أجنبي، على الجانب الآخر تبدي قوى 14 آذار مخاوفها من أن يكون لبنان في هذه الزيارة مجرد صندوق بريد لتوصيل رسائل من نجاد خلال زيارته إلى الجنوب والضاحية إلى إسرائيل والقوى الدولية بأن إيران موجودة على شاطئ المتوسط.

وقد لمس الكاتب والمثقف الإيراني عطاء الله مهاجراني في مقاله في «الشرق الأوسط» أمس بعدا آخر للزيارة هو الأزمة الاقتصادية الداخلية في إيران وحاجة أحمدي نجاد إلى الظهور في الخارج لتقوية شعبيته في الداخل.

أيا تكن العوامل أو شعور أي فريق بالاستفزاز، فإنه يجب عدم السماح لهذا الجدل الداخلي في لبنان المرافق للزيارة.. أو الزيارتين، بأن يعود بالبلاد إلى مربع الأزمات والصراع المفتوح من الجديد، فالضيف يأتي لأيام ويرحل، بينما اللبنانيون بمختلف طوائفهم واتجاهاتهم هم أصحاب البلد والمصلحة، وهم الباقون على الأرض، وفي يدهم باتفاقهم وتصالحهم ازدهار لبنان أو خرابه باختلافهم وتصارعهم، وأهم مقومات الاتفاق والسلم الداخلي هو التمسك بمؤسسة الدولة لتكون أقوى من الجميع وعدم السماح لحزب بأن يشكل دولة موازية.