الشاهد الغائب في ثغرة حرب أكتوبر

TT

يلوم محمد حسنين هيكل، الكاتب السياسي الذي كان مقربا من جمال عبد الناصر، الرئيس المصري السابق أنور السادات؛ بسبب اتفاق السلام الذي أبرمه مع إسرائيل في كامب ديفيد في سبتمبر (أيلول) 1978، والذي بمقتضاه انتهى الصراع العسكري بين مصر وإسرائيل، واستعادت مصر كامل أراضيها المحتلة. وكتب هيكل في جريدة «المصري اليوم» يقول: «إن خلافي مع الرئيس السادات (كان) بسبب اتفاق فك الاشتباك الأول، ثم تصاعد هذا الخلاف بعد فك الاشتباك الثاني، ثم وصل هذا الخلاف إلي الذروة بعد مبادرة القدس.. كنت طرفا في صدام طويل وعنيف مع الرئيس السادات، وكانت جبهة هذا الصدام واسعة تمتد إلى خياراته الداخلية والعربية والدولية بعد حرب أكتوبر» (15 يناير «كانون الثاني» 2008).

وعلى الرغم من كثرة ما كتبه عن خلافاته مع السادات، تحاشى هيكل الكتابة عن دوره، هو شخصيا، في تطور المعارك في حرب أكتوبر، والذي أدى في النهاية إلى قبول السادات فك الاشتباك، حتى يحمي قواته التي حاصرتها إسرائيل في سيناء.

بدأت مصر وسورية الحرب فجر 6 أكتوبر 1973، وهو يوم «كيبور»، أو عيد الغفران عند اليهود، بهجوم مفاجئ لاسترداد شبه جزيرة سيناء ومرتفعات الجولان، اللتين احتلتهما إسرائيل في حرب يونيو (حزيران) 1967. وتمكنت القوات المصرية خلال الساعات الأولى من تدمير خط بارليف الدفاعي الإسرائيلي، وعبور قناة السويس إلى سيناء والوصول إلى مدى يبلغ حوالي 10 كيلومترات.

أما على جبهة الجولان فلم تتمكن القوات السورية من الاحتفاظ طويلا بالمواقع التي استعادتها من الهضبة، واضطرت إلى التراجع أمام الهجمات الإسرائيلية المضادة، فطلبت سورية من مصر أن يتقدم جيشها في سيناء لتخفيف الضغط عليها، حتى تضطر إسرائيل إلى نقل قواتها إلى الجبهة المصرية، لكن الرئيس السادات رفض الطلب السوري؛ بسبب تخوفه من تعرض القوات المصرية لخسائر مؤكدة إذا تحركت من دون غطاء جوي.

كانت الخطة العسكرية التي وضعتها القيادة المصرية تقضي بعدم التقدم لأكثر من 10 أو 12 كيلومترا في سيناء، وهي المنطقة التي تحميها الصواريخ التي نصبها المصريون في الضفة الغربية للقناة. فقد كانت إسرائيل متفوقة في السلاح الجوي، وبإمكانها تدمير القوات إذا خرجت عن منطقة الحماية. وقضت الخطة بالتمركز عند الضفة الغربية للقناة، ما يضطر إسرائيل إلى تحمل خسائر كبيرة لو حاولت مهاجمتها في مواقعها المحصنة. وقد تحدث الرئيس حسني مبارك عن الطلب السوري في الحلقة الثانية من حواره مع عماد أديب في برنامج «شهادة مبارك للتاريخ»، قائلا: «الرئيس الأسد طلب منا مساعدة، كما طلبوا منا ضرب حيفا بالقاذفات، فقلت لهم حيفا أقرب لكم من مطار المليز في سيناء، وكان آنذاك تحت سيطرة الاحتلال الإسرائيلي».

ومع هذا فقد غير السادات موقفه فجأة في صباح 12 أكتوبر (تشرين الأول) وقرر تطوير خطة الهجوم في سيناء، ما نتج عنه حدوث ثغرة في خط الدفاع المصري على قناة السويس، سمحت للإسرائيليين بعبورها إلى الجانب الغربي؛ حيث صارت قواتهم على بعد بضع ساعات من القاهرة. فما السبب وراء هذا التغيير المفاجئ في موقف السادات؟

في لقاء في 16 نوفمبر (تشرين الثاني) 2003 لبرنامج «شاهد على العصر» بقناة الجزيرة مع الفريق سعد الدين الشاذلي، الذي كان رئيسا لأركان القوات المسلحة المصرية خلال حرب أكتوبر، سأله أحمد منصور عن موقفه من عملية تطوير الهجوم، فقال الشاذلي: «خطأ عسكري». وطالب بالتحقيق فيما حدث لمعرفة المسؤول عن إصدار الأوامر بتطوير الهجوم الذي أدى إلى الثغرة، وما تبعها من وقوع الجيش الثالث تحت الحصار. وقال الشاذلي: إن مسؤولية ما حدث محصورة في اثنين لا ثالث لهما: السادات وأحمد إسماعيل.

التقيت بعد ذلك الفريق الشاذلي وسألته عن السبب الذي جعل السادات يغير موقفه في اللحظة الأخيرة، فرد قائلا إن السادات كان متقلبا لا يستقر على رأي. فسألته عما جرى خلال الليلة السابقة على قرار تطوير الهجوم، فقال إن السادات غادر غرفة العمليات في المساء إلى منزله، وفي صباح اليوم التالي طالب بتطوير الهجوم من دون سبب. فطلبت منه تذكر كل ما حدث في القيادة في تلك الليلة مهما كان صغيرا، فتذكر الشاذلي أن حسنين هيكل اتصل به في وقت متأخر من الليل وطلب التحدث مع السادات، فلما أبلغه بأن السادات غادر إلى منزله، أخبره هيكل بأنه عائد لتوه من السفارة السوفياتية؛ حيث عرض عليه الملحق العسكري خطة إسرائيل لمهاجمة سورية، وطالب بضرورة تطوير الهجوم في مصر لمساعدتها. فرد عليه الشاذلي بأن الخطة العسكرية التي وضعتها القيادة ووافق عليها السادات، لا تسمح بتطوير الهجوم، إلا أن هيكل لم يقتنع بهذا الرد وقال للشاذلي إنه سيتصل بالسادات في منزله ليعرض عليه الأمر. وبعد بضع ساعات من مكالمة هيكل للرئيس المصري في منزله، جاء قرار السادات بتطوير الهجوم في سيناء، فما الذي قاله هيكل للسادات ليقنعه بتغيير موقفه؟ وهل كان هناك وعد سوفياتي في هذا الشأن؟

على الرغم من أن هيكل قد تحدث عن مكالمته هذه للسادات، فإنه لم يذكر شيئا لا عن حديثه مع الشاذلي ولا عن فحوى الرسالة السوفياتية التي نقلها إلى السادات. لماذا صمت الأستاذ هيكل عن هذه الواقعة حتى الآن؟ ولماذا ما زال هيكل يلوم السادات على وقف القتال بعد أن ورطه هو في عملية تطوير الهجوم التي أدت إلى الثغرة، وإلى حصار الجيش المصري في سيناء؟

* كاتب وأكاديمي مصري

مقيم في بريطانيا