موسم «نوبل».. ومستقبلنا العلمي

TT

هل من الممكن أن تألف جائزة «نوبل» في العلوم (الطب، الفيزياء، الكيمياء) عالمنا العربي ويحصل عليها عالم عربي من جامعاتنا؟.. ومتى؟ وكيف؟ ومن أي جامعة؟

سؤال قد يتبادر إلى ذهن البعض خلال الموسم السنوي لإعلان الفائزين بجوائز «نوبل» في أكتوبر (تشرين الأول) من كل عام.

سؤال قد تبدو الإجابة عنه بالإيجاب ضربا من الخيال والأحلام، ولكن لماذا لا نحلم وقد كانت الكثير من الحقائق والإنجازات العلمية الحالية يوما ما أحلاما في أذهان أصحابها، على الأقل سوف تفيد الإجابة عن هذا السؤال في تمهيد الطريق لترشيح علماء جامعاتنا لجائزة نوبل وحلم حصولهم عليها، وكذلك في تطوير واقعنا وتحديد مستقبلنا العلمي والارتقاء به.

حصل هذا العام على جوائز «نوبل» في العلوم: في الطب رائد أطفال الأنابيب البريطاني روبرت إدواردز مبتكر تقنية «طفل الأنبوب» التي تقوم على التلقيح الصناعي خارج الرحم للمساعدة في الإنجاب، وفي الفيزياء العالمان من أصل روسي أندريه غيم وقسطنطين نوفوسيلوف في جامعة مانشستر البريطانية لأبحاثهما على مادة «الغرافين» (Graphene)، وهي نوع من الكربون بشكل ثنائي الأبعاد متناه في الصغر بمزايا مدهشة تبشر بآفاق كبرى في مجال الصناعات الإلكترونية الدقيقة وتصميم كومبيوترات أسرع بآلاف المرات، وفي الكيمياء ثلاثة علماء، الأميركي ريتشارد هيك واليابانيان إي إيتشي نيغيشي وأكيرا سوزوكي لأعمالهم في الكيمياء العضوية في مجال «تفاعل الازدواج المحفز بعنصر البلاديوم» المستخدم في الإنتاج الصيدلاني الصناعي كالأدوية والجزيئات المستخدمة في الصناعة الإلكترونية.

بالنظر إلى المجالات العلمية التي تحصد غالبا جوائز «نوبل» في العلوم، نجد أنها تتضمن مجالات جديدة وإنجازات تشكل اختراقات ومساهمات هائلة في تطور العلوم وتبشر بآفاق واعدة في الكثير من مجالات الحياة.

وهذا يقودنا إلى الحديث عن نوعية مجالات البحوث والدراسات العلمية في جامعاتنا وقيمتها وجودتها وجدتها وأهميتها عالميا، وهل تواكب الاتجاهات العالمية الحديثة، وهل الهدف من هذه البحوث سعادة البشرية أم سعادة الباحثين بالترقية والترقي لتولي المناصب الجامعية العليا وما قد يصاحب ذلك من صراعات غير أخلاقية.

ومن القضايا الأخرى المهمة التي يمكن أن تمهد الطريق أمام علماء جامعاتنا للحصول على جوائز «نوبل»، قضية استقطاب العلماء الأجانب، على سبيل المثال، حصل على «نوبل» في الفيزياء لهذا العام عالمان أوروبيان من أصل روسي في جامعة مانشستر البريطانية، ونعلم جميعا أهمية استقطاب علماء أجانب في الارتقاء بمستوى العلماء والبحوث والنمو العلمي والتعرف على التطورات العالمية الحديثة والمستقبلية في العلوم. ومن المفيد هنا أن نشير ونشيد بجامعة الملك عبد الله للعلوم والتقنية في السعودية التي تبشر بالكثير من الآمال والآفاق، والتي تهدف إلى تخريج المتميزين في المجالات العلمية، بتركيزها واهتمامها بالعلوم الحديثة ذات الأهمية العالمية، وإمكاناتها وأجهزتها العلمية الهائلة، ونجاحها في استقطاب الكثير من أبرز العلماء والباحثين من جميع أنحاء العالم.

كما أن العناية بشبابنا الباحثين والعلماء المتميزين والمبدعين منهم وتوفير بيئة علمية جاذبة وليست طاردة، يفيد في التقليل من هجرتهم إلى الخارج، حيث البيئة والمناخ العلمي المناسب، وبالتالي استفادة جامعاتنا وأوطاننا. ومن المهم ألا تمر مناسبة «نوبل» من دون أن نعرض لأبنائنا وشباب العلماء والباحثين نماذج ممن حصلوا على جوائز «نوبل» في العلوم، عن قصص حياتهم وكفاحهم وكيف وصلوا وحصلوا عليها وحققوا ما نعتقد دائما أنه صعب علينا، وكيف تتولد البحوث والأفكار الإبداعية التي تثري المعرفة الإنسانية وتفيد في تغيير البشرية.

أخيرا، يمكن القول إن الطريق إلى «نوبل» أمام علمائنا العرب قد يكون متشعبا وطويلا، لكنه قصير إذا تعهدناه بالرعاية ومهدناه بإزالة معوقاته وأشواكه الكثيرة. هذا إذا أردنا أن يكون لنا مستقبل علمي، وأن نساهم في سعادة البشرية وتغيير مستقبلها. وعلينا أن نتذكر دائما فضل وإسهامات الحضارة الإسلامية وعلمائنا العرب والمسلمين على الحضارة العالمية المعاصرة.