كاد المريب أن يقول خذوني!

TT

هناك مشكلة أعاني منها منذ زمن، ولا أدري كيف أتخلص منها، وهذه المشكلة كامنة في شخصيتي أولا وأخيرا، ولا أستطيع أن ألوم وأتهم أحدا بسببها.

وهي باختصار تتمثل في تورطي دائما مع رجال الجمارك في المطارات العالمية.

ومثلما هو معروف ومشاهد أن أي مسافر بعد أن يأخذ حقائبه من سير (العفش)، ويضعها تلقائيا على العربة ثم يدفعها ذاهبا لباب الخروج، لا بد وأن يواجهه مخرجان، أحدهما عليه إشارة خضراء للذي ليس معه ممنوعات، والإشارة الأخرى حمراء للذي يريد أن يصرح بما في حوزته من أشياء قد تتطلب جمارك أو خلافه.

ودائما ما كنت أندفع بعربتي إلى الإشارة الخضراء لثقتي بأن ليس معي ما هو ممنوع. والمشكلة التي حدثتكم عنها في السطر الأول الذي كتبته، إنما هي تكمن في عدم قدرتي على السيطرة على انفعالاتي وحركاتي، وأنا أقطع تلك المسافة من الأمتار القليلة وكأنني أقطع صحراء الربع الخالي، مع أنني أحاول أن أخطو بخطوات عسكرية وأكون واثقا ومنتصب الظهر، إلا أن خطواتي سرعان ما تتعثر، ويزيد الطين بلة أنني لا أستطيع السيطرة كذلك على اختلاس نظراتي للجنود ولرجال الجمارك الواقفين، وللإشارة الحمراء على المخرج الآخر، وكأن هناك (مغناطيسا) يجذبها نحو عينيّ!

لهذا، فسرعان ما يشكّون فيّ ويوقفونني طالبين مني إنزال حقائبي على (كاونتر) العفش، ليفتحوها ويبعثروها قطعة قطعة، ولا يكتفون بحقيبة واحدة، بل بالثانية والثالثة إذا كانت هناك ثالثة. ولا أنسى أنهم في أحد المطارات لم يكتفوا بالتفتيش اليدوي، ولكنهم أحضروا كلبا بوليسيا لشمشمة حقائبي وشمشمتي. والمصيبة غير المتوقعة أن ذلك الكلب اللئيم لم يذهب في حال سبيله، ولكنه وقف في مواجهتي وأخذ ينبح مركزا عينه في عيني، ولولا أن رجل البوليس كان ممسكا بسلسلته فلا أستبعد إطلاقا أنه هاجمني ونط في حلقي، وتذكرت على الفور ذلك الكلب الشهير في سجن (أبو غريب) في بغداد، وهو يكشر عن أنيابه في وجه ذلك السجين العراقي المتجرد من ثيابه، تذكرت ذلك الموقف وخلت نفسي في مكان ذلك السجين، غير أنني سرعان ما أزحت ذلك الخيال عن رأسي، عندها حمدت ربي أنني ما زلت أرتدي ملابسي.

وهم بالطبع صدقوا كلبهم ولم يصدقوني في أنني لا أقتني أي ممنوعات حتى لو (حلفت لهم مليون حلف)، وازدادت شكوكهم من جراء نباح ذلك الكلب الذي تمنيت ساعتها لو كان في يدي (كلاشنيكوف) لإفراغ الرصاصات جميعها بين أقدامه!

ولا أنسى عندما أدخلوني إلى غرفة وطلبوا مني أن أخلع قميصي وأعري صدري وبطني وسلطوا عليه جهاز أشعة ليتأكدوا أنني لا أخبئ شيئا في أمعائي!

على أي حال، فمن النادر جدا جدا أن أعبر من أي مطار دون تفتيش، وعلى كثرة تلك التفتيشات لم يجدوا معي - ولله الحمد - ولا (حبة خردل) ممنوعة، وكل ما ينوبني هو كثرة الأسئلة والأجوبة وفتح الحقائب وإغلاقها، وضياع الوقت، والتعب، ودائما ما أكون آخر من يخرج من الركاب.

وأجزم بأن أسوأ حظ عصابة تهريب في الدنيا هي التي تجندني لتهريب سلعة لها، فزوغان نظراتي دائما ينطبق عليه قول القائل: (كاد المريب أن يقول خذوني).

وفعلا هم سرعان ما يأخذونني، وفي النهاية لا يجدون معي غير (التراب)!

[email protected]