اتقوا الله إنها أم المؤمنين وأمنا

TT

حسبنا الله على رجال يؤذون رسول الله صلى الله عليه وسلم في زوجاته أمهات المؤمنين الطاهرات الكريمات ويدّعون الانتساب للإسلام زورا وبهتانا، والإسلام منهم ومن أفعالهم براء.. فما من إنسان يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله إلا ويدرك خطورة إيذاء رسول الله في أهله وولده.. وأن الغضب واللعنة يصيبان كل من يتعرض لهذا المقام النبوي الكريم.. فالله سبحانه وتعالى أكرمه وكرمه وكرم أهل بيته الطيبين الطاهرين وصحابته.. فمن يتعرضون لزوجات النبي فإنهم ممن يؤذون رسول الله صلى الله عليه وسلم..

لقد ساءنا وساء المسلمين في أنحاء الدنيا ما تكلم به بعض شواذ الأرض عن الصديقة بنت الصديق حبيبة رسول الله صلى الله عليه وسلم، السيدة عائشة رضي الله عنها، التي تحدث عنها مع الحبيبة الزهراء وقال: «يا فاطمة إني أحبها»..

وهي سيدة أكرمها الله بأن تكون أم المؤمنين.. تربت في بيت كريم، وحفظت من رسول الله صلى الله عليه وسلم الشيء الكثير.. وسمعت من الأحاديث ما لم يسمعه غيرها.. مباشرة منه.. وكانت على علم وفقه.. حتى أنها صححت لبعض الرواة من الصحابة الأحكام والأحاديث.. ورجع إليها بعض الصحابة ليسترشدوا بأقوالها.. فقد عرفت بينهم بسيرتها الطاهرة.. وزكاها القرآن الكريم، وجاء جبريل عليه السلام بصورتها في قطعة من حرير.. وقال لرسول الله صلى الله عليه وسلم: «هذه زوجتك».. وكان ينزل عليه الوحي وهو عندها.

فما بال هؤلاء القوم يتعرضون لها ولسيرتها.. وهي أمنا وأم المؤمنين.. وأبوها أفضل الناس بعد الأنبياء والمرسلين.. وهي أكثر امرأة روت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.... عالمة.. حافظة.. ومرجع من مراجع الحديث.. وكان يحبها ويلاطفها.

تربت في بيت أبي بكر الصديق الصدوق ذي الفضل والعلم والرجولة والأدب.. فنشأت في هذا البيت.. ورأت نماذج من تلك الحياة الكريمة والمواقف العظيمة.. ثم عندما انتقلت إلى بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم رفع الله شأنها.. وجعلها في تلك المرتبة التي توجب على كل مؤمن صادق الإيمان أن يدرك مكانتها.. وأن يتكلم بأدب عنها..

لقد عاشت السيدة عائشة في مهبط الوحي.. ونهلت من القرآن وعلومه، وعاشت وعاصرت جوانب من السيرة النبوية.. وسمعت الحديث النبوي من منابعه.. واستوعبته.. وروته.. وشهد لها رسول الله صلى الله عليه وسلم والصحابة بذلك..

فكيف يجرؤ مثل هؤلاء على التعرض لها دون حياء أو خجل أو خوف من الله عز وجل، ورسوله صلى الله عليه وسلم الذي علمنا أن إيذاء الله تعالت قدرته وإيذاء رسوله صلى الله عليه وسلم أو إيذاء صحابته أو المسلمات وحتى المسلم العادي من دون وجه حق وإيذاء عباد الله عامة يعتبر من أعظم الكبائر، وأعظم هذه الأمور هو إيذاء الله عز وجل، ثم إيذاء رسوله صلى الله عليه وسلم في أهله، ومن يفعل ذلك بإصرار وعناد ورغبة في الإيذاء يدخل في نطاق المنافقين وتحبط أعماله ويحل عليه غضب من الله ولعنة بموجب نصوص القرآن الكريم. وهذا نص واضح في كتاب الله عز وجل: «إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذَابًا مُهِينًا * وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا».

وما دام الله سبحانه وتعالى يغضب على الذين يؤذون أولياء الله.. ويعلن عليهم الحرب، وجاء النص واضحا جليا في الحديث القدسي: «من عادى لي وليا فقد آذنته بالحرب»، فماذا يكون الأمر مع من يؤذي رسول الله صلى الله عليه وسلم في نفسه وفي أهله أو أصحابه، ففي صحيح مسلم، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «الله الله في أصحابي لا تتخذوهم غرضا من بعدي، من آذاهم فقد آذاني، ومن آذاني فقد آذى الله، ومن آذى الله يوشك أن يأخذه».

ومن هنا، فإننا جميعا تألمنا لهذه المقولة الساقطة في حق أم المؤمنين السيدة عائشة، لأن من أبسط حقوق رسول الله صلى الله عليه وسلم علينا كأمة محمد عليه الصلاة والسلام، الإجلال والتوقير والمحبة له ولأهل بيته، وأن لا يتجرأ كل حاقد أو متستر تحت الدين بالإساءة إلى أم المؤمنين، وقد سرني مواقف علماء الشيعة في الرد عليه وإنكار قوله وتقبيح فعله، ففي سيرتها وطهارة عرضها وتزكيتها قرآن يتلى إلى يوم القيامة، ومحبتها واجبة على كل مسلم، فهي أم المؤمنين زوج المصطفى صلى الله عليه وسلم، وعندما جاءت السيدة فاطمة إلى النبي صلى الله عليه وسلم، قال لها: «ألست تحبين ما أحب يا فاطمة؟» قالت: بلى. قال: «فأحبي هذه» يعني عائشة..

ثم إن لها مكانة محترمة وحصانة مشتهرة، وقد جاء صريح القرآن ببراءتها، ثم إن والدها صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم في الغار وله ذلك الشأن الذي تحدث عنه القرآن..

وقد كان الناس يتحرون يومها، أي يوم السيدة عائشة، فيرسلون هداياهم إلى النبي صلى الله عليه وسلم في يومها، وقد وهبت «سودة» يومها لها.

ومما يميزها أن أباها وجدّها صحابة أعيان، أبو بكر الصديق وأبوه أبو قحافة، وابنه عبد الرحمن وحفيده محمد بن عبد الرحمن، وهي أكثر من روى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من أمهات المؤمنين، وكانت أفضل زوجة مات عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد خديجة، وكانت صوامة الدهر، وقد أحبها رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان يأنس لها ويلاعبها ويسابقها ويدللها، رضي الله عنها..

ولقد كانت السيدة عائشة من أكثر رواة الحديث، ولكنها لم تنفرد إلا بـ138 حديثا، رغم أن الأحاديث التي نسبت إليها في الكتب الستة 2210 أحاديث، وفي الكتب التسعة هي 5965 حديثا، وبعد حذف المكرر توصلنا إلى أن ما انفردت به هو هذا الرقم (138 حديثا)..

وفي الختام نقول لهؤلاء الظلمة الفساق، كفوا عن إيذاء السيدة عائشة وزوجات النبي صلى الله عليه وسلم وآل بيته، وليتق الله أولئك الذي يغمزون ويلمزون، وليعلموا أن الله سبحانه وتعالى حذرهم من مثل هذه الإساءة، والأحرى بهم أن يسألوا الله أن يجزي أم المؤمنين، السيدة عائشة الصديقة بنت الصديق، كل خير، رضي الله عنها وأرضاها..

ولقد فرحت بالأبحاث التي طرحت عن هذا الموضوع، وحديث العالم الأستاذ أسامة الخياط إمام المسجد الحرام وخطبته التي نقلت إلى العالم عن وجوب تكريم السيدة عائشة، وكذلك خطباء العالم الإسلامي في شتى المساجد الذين أوضحوا هذا الأمر، وقبحوا هذا الفعل.

والحق أن مسؤوليتنا جميعا أن نتصدى لمثل هذه النزعات الظالمة، ولا نسمح لمثل هؤلاء بالتعرض لسيرة المصطفى صلى الله عليه وسلم بأي شكل من الأشكال، ونوضح لأولادنا خاصة خطورة كلامهم هذا، حتى لا يدلسوا على أولادنا بشبهات خطيرة، وبأساليب مغرية، فهو رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإن من أوجب واجباتنا الدفاع عنه وعن آل بيته الطيبين وأصحابه الغر الميامين.

والله من وراء القصد وهو الهادي إلى سواء السبيل.