خير الاقتراحات وأصوبها.. ما اقترحه الأمير سعود

TT

لم يكن أحد يتوقع أن جولات التفاوض الفلسطيني - الإسرائيلي المباشر التي تمت ستُثمر نتائج فورية، ذلك أن هذه الجولات، من الأولى في واشنطن إلى الثانية في شرم الشيخ إلى الثالثة المزدوجة في القدس ورام الله، كانت نوعا من الاستعراضات وتدريبات على الانتقال من الحذر إلى جوهر المشكلة. كما أنها كانت نوعا من الاختبار للنوايا.. نوايا الإدارة الأميركية ونوايا قطيع الذئاب الإسرائيلي مقابل وداعة الخروف الفلسطيني متمثلا في الرئيس محمود عباس الذي خاض المحاولة الجديدة للتفاوض تحت مقولة إنه لن يخسر شيئا في حال لم يكن القطاف وفيرا لكنه يربح قليلا تعاطُف المجتمع الدولي حوله تقديرا للمرونة التي يبديها مقابل تعنت الجانب الإسرائيلي، ويربح كثيرا في حال اهتدى نتنياهو إلى سواء السبيل وقرر الخروج من الفجور السياسي لوزير الخارجية ليبرمان الذي يمارس العمل الدبلوماسي بعقلية وزراء الحرب ومن محاصرة التوراتيين المتشددين له وحَسَم أمر التجاوب مع صيغة الحل المطروحة من جانب الرئيس باراك أوباما.

بعد جولات التفاوض سقط الجانب الإسرائيلي في الاختبار بدافع الخوف من فقدان منصبه أمام الطامعين الذين يرون في أُبهة الترؤس ما هو أهم من تحقيق الطمأنينة المستدامة للشعب اليهودي المحتار في أمر قادته، وظهر أمام المجتمع الدولي متمردا على إرادة الكبار ورحابة الصدر العربي من أجل طي الصفحة العالقة من النزاع وهي الصفحة الفلسطينية. ومن خلال ما يحدث يتبارى رموز العمل الحزبي والسياسي في إسرائيل في مسابقة مَن هو الرمز الأكثر فظاظة والأقل استيعابا لواقع الحال الدولي وتدور المزايدة حول بناء وحدات سكنية ضمن مخطط الاستيطان غير الشرعي أصلا، كونه يتم في أرض محتلة وثمة قرار دولي واضح رغم تأجيل حسمه 43 عاما.

في ضوء التشبث الإسرائيلي والإصرار على المضي في بناء الوحدات السكنية في محاولة لإحراج الرئيس محمود عباس، فإخراجه بمعنى رفْع راية القنوط، فالاستسلام، ما الذي يجوز الإقدام عليه من الجانب العربي، الذي لولا دفْع «السلطة الوطنية الفلسطينية» في اتجاه التجاوب مع الدعوة الأميركية الملحة للتفاوض المباشر لما كان الرئيس محمود عباس توجَّه إلى واشنطن وواصل التنقل بعد ذلك.

تحديد تواريخ معيَّنة لوقف الاستيطان لن يفيد. والانسحاب نهائيا من التفاوض لن يجدي. والأفضل في انتظار اقتناع الرئيس أوباما بأن إسرائيل تتآمر عليه، ودرءا لرسوخ افتراضات بأن الإدارة الأميركية وبالذات بعض الجيوب المتصهينة في ديوان الرئيس أوباما الطيب النية تتواطأ مع إسرائيل لوضْع القادة العرب وشقيقهم الفلسطيني أمام أمر واقع لا حل يُرتجى منه، هو أن ترفع الجامعة العربية مشروعا يُلزم إسرائيل بتنفيذ ما تبقَّى من مضامين قرار مجلس الأمن 242 على أن تتعهد الإدارة الأميركية سلفا بعدم استخدام حق النقض (الفيتو) بالنسبة إلى الإجراءات التي يُقصد بها تنفيذ القرارات التي سبق لمجلس الأمن إقرارها.

ولكي يكون هذا الطلب الموضوعي في منأى عن المشاورات العقيمة وكثرة تنقلات المبعوثين وتبادُل الرسائل والاتصالات الهاتفية في هذا الشأن وتسبق التصويت على مشروع القرار، فإن الأمير سعود الفيصل أعلن ذلك ومِن على منبر الأمم المتحدة يوم الاثنين 27/9/2010 وبعدما كانت ثعالب إسرائيل تحايلت وذئاب حكومتها برزت الأنياب على هدير آلات البناء غير الشرعي على أرض الغير.

توضيحا من جانبه لحيثيات الطلب الموضوعي في شأن عدم استخدام الإدارة الأميركية والدول الأربع الأخرى المستأثرات بـ «سلاح النقض» هذا السلاح فيما يتعلق بالإجراءات التي يُقصد بها تنفيذ القرارات التي سبق لمجلس الأمن اتخاذها، قال الأمير سعود «إن الاستعمار الإسرائيلي يكاد يكون الوحيد القائم في العالم بعد انتهاء عهد الاستعمار وانحسار سياسة التفرقة العنصرية».

وتوضيحا أيضا لموجبات هذه الدعوة لتحرير العالم من الاستعمار الإسرائيلي الوحيد القائم في كوكب العولمة، إذا جاز تصنيفنا لكوكب الأرض في وضعها الراهن، قال الأمير سعود، صاحب أعرق تجربة دبلوماسية عربية وعميد الطيف الدبلوماسي الدولي الذي يجمع بين الحنكة والابتكار مستندا في ذلك إلى حكمة عمه الملك عبد الله بن عبد العزيز «إن السعودية تؤكد على ضرورة وضْع مبادئ الأمم المتحدة وما تضمَّنه ميثاقها موضع التنفيذ العملي والفعلي بعيدا عن ازدواجية المعايير وانتقائية التطبيقِ». ثم أضاف إلى ذلك حيثية ترتاح لها كل دول العالم المنتسبة إلى المنظمة الدولية وتشكو في شكل أو آخر من عدم فعالية المنظمة وبيروقراطية السلوك السائد في إداراتها. وهذه الحيثية هي «إن الحكومة السعودية تدرك أهمية تحديث وتطوير الأمم المتحدة والأجهزة التابعة لتمكينها من الاضطلاع بالدور المناط بها». أما كيف يرى الأمير سعود التحديث فمن خلال «إعطاء الجمعية العامة دورا أساسيا في الحفاظ على السلم والأمن الدولييْن أسوة بدور مجلس الأمن».

هنا قد يكون من المناسب استحضار واقعة ابتكار القرار 242 الذي أصدره مجلس الأمن وكان من صنف بضاعة «صُنع في الغرب» وتحديدا من جانب الدولتين الحاضنتيْن لإسرائيل تأسيسا ودعما وحماية وتسليحا ووقوفا إلى جانبها في أي عدوان ترتكبه على سيادة بلد عربي أو مذبحة تقترفها في مخيم فلسطيني، هذا فضلا عن تفهُّم ضرورات إسرائيل عند قيامها باجتياح بلد آمن وقتْل ما أمكنها من شعبه وتدمير ما طاب لها التدمير من بنيته التحتية وذلك تحت التخريجة الدولية من جانب الحُماة الحاضنين بأن المسألة فيها نظر ردا على سعي الشعب المسلوب حقه وأرضه واعتبار الاستلاب مسألة فيها نظر! أما إطلاق صاروخيْن من «حماس» على مستوطنة غير شرعية فهذه هي الجريمة التي لا تُغتَفر!

كانت صياغة قرار مجلس الأمن الدولي 242 مزيجا من إيحاءات العبقرية الكيسنجرية، الذي ورط مصر الساداتية في ثغرة «الدفرسوار» فانتصف انتصار حرب رمضان (أكتوبر 1973) ثأرا لهزيمة 5 يونيو 1967، ومن دهاء اللورد كارادون المترئس وفد بريطانيا زمنذاك إلى مجلس الأمن وبعد أخْذٍ وردٍ في شأن تفسير «الانسحاب من أراض» بدل «الانسحاب من الأراضي»، ومحاولات من التشويق أحيانا والتسويف أحيانا أخرى واطمئنان مصر إلى أن قرار مجلس الأمن 242 يضمن انسحاب إسرائيل من سيناء وقطاع غزة والضفة الغربية كاملة والجولان (هذا ما أكده صائغ القرار اللورد كارادون لوزير خارجية مصر محمود رياض وزاده تأكيدا نائب وزير الخارجية السوفياتية كوزينتسوف) كان التصويت على القرار بالإجماع ومع التصويت تصفيق مندوبي الدول الأعضاء في مجلس الأمن الدائمة العضوية أصحاب «الفيتو» والدول العشر السنوية العضوية.

منذ صدور قرار مجلس الأمن 242 (يوم 22 نوفمبر / تشرين الثاني 1967) وبإجماع الدول الخمس عشرة الأعضاء وإسرائيل تتلاعب وتعتدي وتجتاح وتحاصر ولا تحترم قرارا صيغ في الأصل بما يرضيها. ومنذ 43 سنة والتمرد الإسرائيلي على القرار الذي يمثِّل دول العالم من القطب إلى القطب على حاله. ثم ها هي المبادرة التي أطلقها الملك عبد الله بن عبد العزيز ونالت الإجماع العربي عليها، وها هي الصيغة العاقلة التي أطلقها الرئيس باراك أوباما وتلْقى القبول الدولي بالإجماع عليها، تحتاجان إلى سند قانوني ودولي لكي تأخذ تسوية النزاع العربي - الإسرائيلي طريقها إلى الحل الثابت والشامل. وليس هنالك أصوب من الاقتراح الذي أطلقه الأمير سعود الفيصل في لحظة انتكاسة أولية للتفاوض الفلسطيني - الإسرائيلي. ومن شأن الأخذ بالاقتراح واقتناع دولتي قرار 242 بعدم استعمال «الفيتو» في حال معاودة التصويت عليه بغرض تفعيله فإن التسوية تتحرك ولا تعود لعبة بناء المزيد من الوحدات السكنية في مستوطنات على أرض الغير ذات قيمة. كما لا يعود هناك مجال لبقاء الجولان وبعض الأرض في لبنان تحت الاحتلال. أليس هذا ما ينص عليه القرار 242، الذي هو كما المبادرة العربية، لا يعني تهرُّب إسرائيل من وضْعهما موضع التنفيذ، أنهما إلى اندثار.

والأهم من ذلك لا يعود هنالك مجال لغلبة المتشددين على العقلاء في المسعى الطيب لتحقيق التسوية الشاملة والثانية. وكفى الجميع شرور الصراع.