شعبية أحمدي نجاد في أدنى مستوى لها داخل إيران

TT

قد يحب الرئيس اللبناني ميشال سليمان أن يكون معه في السفينة اللبنانية، السعودية وقطر وسورية، وكذلك إيران وتركيا التي ينوي رئيس وزرائها رجب طيب أردوغان زيارة لبنان قريبا. من عادة وطبع اللبنانيين، كشعب، الترحيب بكل من يزور بلادهم، لكن أكثر الزيارات التي أثارت لغطا هي زيارة الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد التي كان يمكن أن تأتي طبيعية كرد على الزيارة التي قام بها إلى إيران الرئيس اللبناني، لولا أن فريقا من اللبنانيين يشعر بأن من واجبه أن يرد الجميل إلى أحمدي نجاد، وقد صب هذا في دائرة الاهتمام الإيراني. فالإيرانيون قلقون من احتمال هجوم إسرائيلي، والضجة التي أحاطها الإيرانيون بزيارة أحمدي نجاد تشير إلى أن الرئيس الإيراني يريد توجيه رسالة إلى إسرائيل من لبنان، مفادها أنه إذا تعرضت إيران لأي هجوم، فإنها ستلجأ إلى حليفها «حزب الله» للرد، وكأنها تقول إن «حزب الله» قاعدة إيرانية.

بعض المتخوفين من أبعاد زيارة أحمدي نجاد إلى لبنان يعتقدون أن الاحتفالات الحزبية، وليس احتفالات الدولة الترحيبية كما حدث مع زيارة أمير قطر الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني وزوجته الشيخة موزة، ستظهر أن لبنان كله أصبح قاعدة إيرانية، لأنه في حال تعرض إيران لأي هجوم إسرائيلي وقيام «حزب الله» بمؤازرتها، فإن إسرائيل لن تُفرق في تدميرها كل لبنان.

واسأل مصدرا أميركيا عن سبب معارضة أميركا وإسرائيل لهذه الزيارة فيقول إن ما يقلقنا هو ما يحاول أحمدي نجاد فعله، بأن يصبح لبنان قاعدة إيرانية، ثم إن إسرائيل تتخوف من تداعيات محاكمة قتلة الرئيس رفيق الحريري. فإذا تبين أن «حزب الله» متورط بطريقة ما، ولا عقاب للأفراد، فهذا يعني أن الحزب هو الحاكم الفعلي للبنان، ثم إن زيارة أحمدي نجاد ستجعل «حزب الله» أكثر عدائية لإسرائيل.

لكن، ما هي تداعيات هذه الزيارة على الداخل الإيراني؟

من المؤكد أن هذه الزيارة ستضر بصورة «حزب الله» لدى الشعب الإيراني، لأن شعبية أحمدي نجاد في أدنى مستوى لها داخل إيران، وبعد فوزه المزيف العام الماضي، لاحظ الإيرانيون أن أمين عام «حزب الله» السيد حسن نصر الله كان من بين أول من هنأوا أحمدي نجاد، وهذا دفع الكثير من الإيرانيين إلى الإدراك بأن «حزب الله» لا تهمه مصالح الشعب الإيراني بل يهمه النظام ومصالحه، عكس وضع الحزب في لبنان، إذ كيف يدعي حزب أنه يعمل من أجل شعبه في حين يرى شعبا شقيقا يعاني من الاعتقال والاغتصاب والتعذيب والقتل والرجم وكم الأفواه. ثم إن «حزب الله»، كما يقول الإيرانيون، لا يهتم كيف يعامل النظام الإيراني إيران الدولة والإيرانيين ما دام أنه يتسلم الأموال من إيران التي يُحرم منها الشعب الإيراني الفقير والعاطل عن العمل.

يتساءل البعض، هل لا تزال إيران تملك المال الكثير لتمنح «حزب الله» والدولة اللبنانية؟ ويقول لي مصدر إيراني: ربما بسبب الحصار والمقاطعة صار لدى النظام الإيراني مال أقل، إنما يبقى لديه، خصوصا إذا ما تعلق الأمر بـ«حزب الله»، لأن الحزب هو آخر حليف حقيقي لهذا النظام. ويشير إلى تقرير صدر في إيران، في صحيفة موالية لهاشمي رفسنجاني عام 2006 عن اختفاء مبلغ 32 مليار دولار من المصرف المركزي، «كل سنة يخفي النظام المال ويودع مبالغ ضخمة في عدة مصارف في دول مختلفة من أجل دعم برنامجه النووي ودعم المجموعات التي يغذيها».

حاليا، عدد أعداء أحمدي نجاد داخل إيران أكثر مما كانوا في السابق، خصومته كبيرة مع علي لاريجاني (المولود في النجف) رئيس مجلس الشورى، ولديه مشكلات كثيرة مع صادق لاريجاني (شقيق علي) رئيس السلطة القضائية، وخلافاته واسعة مع هاشمي رفسنجاني وكل الأئمة في قم.

قيادات «الحرس الثوري» تدعمه لأن المرشد الأعلى للثورة الإسلامية يدعمه، واليوم الذي يتوقف فيه دعم خامنئي لأحمدي نجاد، سيتوقف فورا دعم «الحرس الثوري» له. أما سبب دعم خامنئي لأحمدي نجاد فلأن خامنئي يريد تصنيع قنبلة نووية، ويريد إلى جانبه «ملازما مخلصا».

وحسب مصادر مطلعة، فان الرئيس السوري بشار الأسد قلق من احتمال أن يتسبب أحمدي نجاد بقلاقل في لبنان وتأجيج عدم الاستقرار والانقسام فيه. الأسد يعرف كيف يعيش مع الانقسامات اللبنانية لكن يهمه الاستقرار في لبنان الآن. لكن الإيرانيين قلقون بدورهم لأن بشار الأسد «يغازل» طرفا آخر، هو مع الإيرانيين لكنه الآن مع الأتراك أيضا، (استقبل الأسد عشية زيارة أحمدي نجاد للبنان رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان). يدعي الإيرانيون أنهم موافقون على أن الأسد يقوي علاقاته بتركيا بسبب مصالحه، وعليه بالمقابل أن يوافق على متابعتهم لمصالحهم.

وحسب المصدر الإيراني، يهم إيران وسورية بقاء الحكومة اللبنانية الحالية، وأن يكون «حزب الله» وحركة «أمل» فريقين قويين في لبنان، لكنهما يختلفان حول أبعاد القوة التي يجب أن يتمتع بها «حزب الله» ويقول: «لأنه إذا هاجمت إسرائيل إيران، فلست متأكدا ما إذا كانت سورية تريد من حزب الله الدخول في المعركة، لأن إسرائيل ستهاجم بسببه لبنان، وسيتعرض حزب الله لضربة كبيرة، مما سيجعل الحزب يظهر وكأنه (دمية إيرانية)، وهذا سيثير حفيظة السعودية ومصر. ثم إن سورية قبل استئناف مفاوضاتها مع إسرائيل، تريد أن تبقى ورقة حزب الله قوية في يدها».

ويضيف محدثي: الآن السعودية ومصر غير مرتاحتين لما يجري في لبنان، لأنه بعد السابع من أيار (مايو) 2008، بدل المحاسبة، جاء اتفاق الدوحة وصار لبنان تقريبا دولة «حزب الله». هذه هي الحقيقة للأسف، وهي أن الحزب فوق القانون في لبنان.

وكانت صحيفة «صنداي تايمز» نشرت تحقيقا يوم الأحد الماضي عن الفيروس التي انتشرت في كومبيوترات مفاعل «بوشهر» النووي، وأن حربا بالصواريخ الإلكترونية بدأت فعلا ضد البرنامج النووي الإيراني، وقد اعترفت إيران بالأمر.

لكن، هل ستكون الحرب الإلكترونية بديلا عن الحرب التقليدية؟ يقول المصدر الأميركي، إن هذا محتمل، لكنه يضيف: «إذا تخلصنا من البرنامج النووي الإيراني فإن الغرب سيقبل بالنظام الإيراني كما هو. بعدما حدث في العراق فإن الغرب لم يعد يهتم. الغرب لا يستطيع أن يأتي بالثورة إلى إيران، على الشعب أن يقوم بها».

إذن، لا يهم الغرب فعلا زيارة أحمدي نجاد إلى لبنان والزيارة ستكون مظفرة؟ يجيب: «على المدى الطويل، ستضر الزيارة بحزب الله، لأن أحمدي نجاد مكروه جدا في إيران وفي المنطقة، وكل من يصادقه يصبح مكروها، وأعتقد أن زيارته إلى لبنان التي حملت كل معاني الاستفزاز، ستجعل حزب الله يبدو أحد عناصر عدم الاستقرار، في حين أنه في السنوات الأخيرة، بذل السيد نصر الله جهدا ليجعل من الحزب قوة استقرار. إن نصر الله أكثر براغماتية من أحمدي نجاد، وهذه الزيارة ستؤثر على صورته وعلى الحزب، لكن يبدو أنه لم يكن أمام نصر الله أي خيار، إذ قد يكون خامنئي طلب منه استقبال أحمدي نجاد، وعندما يدفع لك طرف مئات الملايين من الدولارات سنويا، تزول الخيارات أمامك، ولا تزال إيران مستمرة في الدفع».