في اللوفر.. العالم يصفق لحضارة السعودية

TT

يا له من حادث ثقافي غاية في الرقي والتحضر يقتحم حياتنا كعرب ومسلمين.. وفى الوقت نفسه يجب ألا يمر مرور الكرام من دون بحث أهميته في ظل المتغيرات الثقافية في عالمنا العربي والإسلامي ككل..

ففي متحف اللوفر بعاصمة النور باريس، وفي شهر يوليو (تموز) الماضي، تم افتتاح معرض «روائع آثار المملكة العربية السعودية عبر العصور». وكان سيناريو العرض والآثار المعروضة يؤكدان للعالم على حقيقة أصالة حضارة الجزيرة العربية وسورية وفلسطين، وكونها نافذة للأوروبيين للإطلال منها على الحضارة العربية وأصولها وتغيير مفاهيم البعض عن أننا إرهابيون نصدر الكراهية والدمار إليهم. وليس أروع من أن نذهب إليهم بموروثنا الثقافي والحضاري القديم والحديث لكي نزيل ما حفرته أقلام سوداء تقطر حقدا وسما، عن الحضارة العربية والإسلامية في قلوب أهل الغرب. ومما لا شك فيه أن هناك مجهودات رائعة يقوم بها الأمير سلطان بن سلمان، رئيس هيئة السياحة والتراث بالمملكة، الذي نجح في دفع عجلة الاهتمام بالموروث الحضاري والثقافي بكل ربوع المملكة، وبدء خطوات جادة نحو التعريف بتراث شبه الجزيرة العربية لشعوب العالم كله، وكانت خطوة جد موفقة، بل وأكثر من رائعة، أن تذهب إلى عاصمة العلم والنور في أوروبا وتقيم معرضا مثل هذا لتغيير الفكر الغربي الذي دائما عندما تذكر المنطقة يرد إلى ذهنه الصحراء والجمل، فكان لا بد من تعريفهم أن هذه الصحراء احتضنت حضارات عريقة ضاربة في القدم تعود إلى أربعة آلاف عام قبل ميلاد السيد المسيح.. وأنه في هذه الصحراء توالت أمم وأقوام وديانات سماوية أخرجت العالم كله من ظلمات الجهل إلى نور العلم والإيمان. أما الجمل فقد حمل على ظهره علوم وثقافات المنطقة ونشرها في كل أنحاء الأرض.

وقد نجح المعرض أكثر مما توقع له المنظمون، والدليل على ذلك أن كثيرين تحدثوا معي يسألون عن تنظيم رحلات سياحية إلى أراضي المملكة العربية السعودية للتعرف عن قرب على تاريخ وآثار المملكة العربية السعودية.. إضافة إلى مكاسب سياسية كثيرة، حيث قام الأمير سعود الفيصل وزير خارجية المملكة، ومعه برنار كوشنير وزير خارجية فرنسا، بافتتاح المعرض الذي استمر إلى شهر سبتمبر (أيلول) الماضي، وحظي بإقبال كبير من قبل الزائرين بمتحف اللوفر، حيث زاره أكثر من 160 ألف زائر على مدى شهرين ونصف الشهر هي فترة إقامة المعرض، الذي قامت بتغطيته وسائل الإعلام العالمية؛ خاصة أنها المرة الأولى التي تعرض فيها 300 قطعة أثرية خارج المملكة العربية السعودية تحكي تاريخ الحضارة منذ العصر الحجري القديم وحتى العصر الحديث.

وكان اختيار القطع المعروضة موفقا إلى أبعد حد ليحكي كيف انتقلت الحضارة عن طريق التجارة والطرق والممرات القديمة، وكذلك تطور فن وعلم الكتابة، إضافة إلى الفنون المختلفة من نحت ونقش ورسم. وإلى جانب عرض القطع تم عرض لوحات مصورة كبيرة الحجم بالأبيض والأسود، تظهر سحر الصحراء والحياة نهارا وليلا، وكيف استطاع الإنسان القديم الذي عاش على أرض الجزيرة العربية أن يبدع وينتج حضارة عظيمة رغم قسوة المناخ.

وتصدرت المعرض صورة لمؤسس المملكة العربية السعودية الملك عبد العزيز آل سعود، وتمثال لإنسان منحوت من حجر وردي ملون عثر عليه بالقرب من حابل، إضافة إلى تماثيل حجرية ضخمة يصل ارتفاعها إلى نحو أربعة أمتار، ومنها تمثال بديع لرجل يغطي وسطه برداء ويرتدي نعلين.. لكن ستظل أهم وأجل قطعة أثرية وفنية بالمعرض هي باب الكعبة المصنوع من الخشب المصفح بالفضة والذهب، والذي يظهر مدى إبداع الفنان المسلم.

تحية شكر لمنظمي معرض «روائع آثار المملكة العربية السعودية عبر العصور».. ونتمنى إرساله إلى أميركا وأستراليا واليابان والصين بعد زيارته لعدد من العواصم الأوروبية.. فالآثار والتراث سيظلان أبدا خير سفير لنا ولغيرنا لنشر السلام والاحترام المتبادل بين الشعوب.