الأرض بتتكلم عربي.. وفارسي كذلك

TT

كان الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد دبلوماسيا حذرا في قصر بعبدا، ولما عبر مسافة ثلاثة كيلومترات إلى الضاحية الجنوبية، استعاد لغة الثوار. في القصر الجمهوري، عزف له نشيد الجمهوريتين، اللبنانية والإيرانية. وفي الضاحية، عزف له نشيد المقاومة ونشيد الولاية، طبعا ولاية الفقيه. صورة قبل الظهر أزاحت نفسها للصورة الأهم، بعد الظهر: الاحتفاء الشعبي بالرئيس الإيراني هو احتفاء أهل الجنوب، في العاصمة أو في الجنوب نفسه. وتصدر الحفل بضعة ضيوف محليين، لا يشكلون في عداد الجماهير أي نسبة تذكر في تعديل مغزى الرسالة.

هذه، زيارة «جنوبية»، وما أحيط بها من خارج معالم الجنوب، لم يكن سوى تطريزات على هامش الجوهر. والجوهر، هو العلاقة العضوية بين طهران وبين أحزاب وأجنحة «المقاومة» دون سواها من أسر لبنان. ومهما سعت اللياقات إلى إقحام عناصر أخرى في الصورة، بقيت الصورة واحدة والإطار واحدا: ثمة فريقان مبتهجان ببعضهما البعض: الرئيس الإيراني الذي وضع قدمه في رمال المتوسط يوم تربع مستريحا على شرفة لبنان، و«المقاومة» التي نقلت تحرير فلسطين من الأمة العربية والوطن العربي الكبير، إلى طهران.

سياسيا تغيرت خريطة الأمة وجغرافيا أيضا تغيرت. هنا، إيران في قلب المتوسط، وهناك هي على بعد 24 كيلومترا من البحرين و25 كيلومترا من عمان. هنا، تريد أن تخطف راية التحرير من أيدي العرب، وهناك تريد أن يكون الدرس مفهوما وواضحا: إنه الخليج الفارسي، وليس الخليج العربي. آن وقت الاتعاظ. فيما كان السيد نجاد يلقي خطابه، كنت أستعيد شيئا واحدا في ذاكرتي، قصيدة محمود درويش «الأرض بتتكلم عربي». عليها، بكل وضوح، بعد الآن، أن تتكلم «فارسي» كلما أطلت على أرض فلسطين. لم لا؟ لقد كان الإخوة العرب (أخي في جازان، أخي في عدن) منهمكين في قمة سرت في إرسال التحيات والتثمينات إلى ما أنجز في جمهورية الكونغو الديمقراطية ودولة تشاد الشقيقة وجمهورية توغو وأشقائنا في مدغشقر وجزر المالديف. ولم لا؟ أليست قمة أفريقية عربية، بمعنى أن كل ما فيها عربي أو أفريقي.

هكذا فيما اندفعت الأمة نحو جمهورية الكونغو الديمقراطية من قلب الوطن العربي الكبير، اندفعت إيران نحو فلسطين من بوابتين: غزة ولبنان. وفيما وضعت قمة سرت جدول أعمالها الفضفاض الثوب، وضع رئيس إيران جدول أعمال زيارته للبنان بنفسه، وترك لتشريفات القصر الجمهوري أمرا واحدا: مرافقة المدعوين إلى مقاعدهم.

بين لغة السواحيلي في القمة العربية والهتاف بالفارسية في لبنان، تستعيد اللغة التركية هي أيضا أمجادها الغابرة في أرجاء الأمة والوطن الكبير. وما عادت الأرض، بكل وضوح، «بتتكلم عربي». إنها تتعلم كيف تتقن لغات أخرى.