تحذير عالمي

TT

أصدرت وزارة الخارجية الأميركية، يوم 3 أكتوبر (تشرين الأول)، تحذيرا للمسافرين الأميركيين يشير إلى احتمال وقوع هجمات إرهابية في أوروبا، وفي اليوم ذاته، أصدرت بريطانيا تحذيرا آخر للمسافرين بسبب وجود تهديدات بوقوع هجمات إرهابية في فرنسا وألمانيا، وبعد فترة وجيزة، حذرت الحكومة الفرنسية مواطنيها من خطر وقوع هجوم إرهابي في بريطانيا.

وفي الأسابيع الأخيرة، أشارت معلومات تم الحصول عليها من مصادر مختلفة إلى أن تنظيم القاعدة ربما يخطط لشن هجوم إرهابي واسع النطاق على أحد الأهداف الغربية. وقد كشف مواطن ألماني من أصل أفغاني اعتقل في كابل، في يوليو (تموز)، مخططا للقيام بهجوم إرهابي في ألمانيا على غرار هجمات مومباي في عام 2008. وفي 4 أكتوبر (تشرين الأول)، أدى هجوم نفذته طائرة أميركية من دون طيار على شمال وزيرستان إلى مقتل 11 عنصرا من العناصر الجهادية، وتبين بعد ذلك وجود خمسة ألمان بين القتلى. وفي اليوم التالي اعتقلت الشرطة الفرنسية 12 شخصا على علاقة بصانع قنابل جزائري تم اعتقاله مؤخرا في إيطاليا. وبالإضافة إلى ذلك، فقد أشار مسؤولون أمنيون في عدة دول إلى رصد أحاديث بين الجهاديين عن اقتراب وقوع هجوم شبيه بالهجمات التي نفذت خلال الفترة التي سبقت هجمات الحادي عشر من سبتمبر (أيلول) 2001. وقد أشارت تقارير سابقة إلى أن الذراع الإعلامية لتنظيم القاعدة قد أعد شريط فيديو يتضمن رسالة من أسامة بن لادن لإصدارها بعد تنفيذ الهجوم المخطط له.

وفي هذا السياق فقد تسببت التحذيرات التي أصدرتها الحكومتان الأميركية والبريطانية إلى حدوث حالة من الارتباك، حيث نصحت الخارجية الأميركية المسافرين بـ«اتخاذ تدابير السلامة اللازمة لحماية أنفسهم عند السفر». وأشار تقرير نشرته صحيفة «نيويورك تايمز» إلى أن غموض هذه التحذيرات «جسد المعضلة التي تواجه السلطات في الولايات المتحدة وأوروبا حول كيفية الكشف عن تهديد يقول محللو الاستخبارات إنه حقيقي لكنه غير محدد». كيف يتم التعامل مع مثل هذه التحذيرات؟

يمكن أن نحسن بشكل كبير نظام الإنذار إذا عدنا ودققنا النظر في استراتيجيته. والأهم من ذلك، أنه يتعين على الحكومة أن تميز بين ثلاث وظائف مختلفة يمكن أن تقوم بها توجيهاتها: الإعلام ورفع حالة التأهب والتحذير. ونقصد بالإعلام إماطة اللثام عن أكبر قدر ممكن من المعلومات تكون لدى الحكومة من دون الإضرار بالمصادر الاستخباراتية والتدابير المضادة. ونقصد برفع حالة التأهب الاتصال بالمسؤولين في الحكومة والقطاع الخاص عن إدارة الأهداف المتوقعة عندما يكون هناك سبب وجيه لاتخاذ خطوات أمنية جديدة. ونقصد بالتحذير تحذير الشعب عندما يكون هناك شيء محدد يجب التحذير منه ويمكن أن تقوم الحكومة بإصدار نصائح محددة حول كيفية تقليل المخاطر بشكل كبير. كيف يتم تنفيذ ذلك على أرض الواقع؟

إذا كانت الحكومة تعتقد أن شيئا ما سيحدث لكنها لا تعرف أين أو متى، فإنه يتعين عليها إعلام الجمهور بطبيعة التهديد، ولا شيء أكثر من ذلك. ويشمل ذلك، مثلا، معلومات عامة حول أنشطة تنظيم القاعدة: «لقد تحدث أسامة بن لادن علنا عن رغبته في الحصول على أسلحة نووية وحاول، على الأقل مرة واحدة، شراء مواد نووية».

إذا كانت الحكومة تعتقد أن شيئا ما على وشك الحدوث وأنها تعرف مكان أو زمان الهجوم وليس كليهما، فإن عليها تنبيه مسؤولي الإدارات الفيدرالية والولايات والمسؤولين المحليين وكذلك عمال القطاع الخاص الذين يعملون في المصارف والمستشفيات وشبكات الطاقة والكهرباء وما شابه ذلك. وعلى سبيل المثال، تعلن الحكومة: «إننا نعتقد أن تنظيم القاعدة يستهدف تمثال الحرية».

وأخيرا، إذا كانت الحكومة ترى أنها تعرف كلا من زمان ومكان الهجوم القادم، فيتعين عليها أن تحذر المواطنين مباشرة وتوفر لهم أكبر قدر ممكن من المعلومات.

نحن بحاجة إلى هذه الفروق ليس فقط لتجنب إحداث حالة من الارتباك العام، ولكن أيضا للحد من التكاليف المفروضة على المجتمع بسبب تهديدات الإرهابيين. وعلى سبيل المثال، حين نقوم بالتنبيه أو رفع حالة التأهب في وقت كان يتعين فيه الإعلام فقط، فإن ذلك سيؤدي إلى رفع - وبصورة غير مبررة - التكاليف وربما يؤدي إلى اتخاذ احتياطات طويلة المدى قد يستحيل تأييدها. وبالمثل، إذا قمنا بتكرار التحذير في وقت كان يتعين علينا فيه رفع حالة التأهب فقط، فإن ذلك سيجعل تكلفة تحقيق الإنذار الحقيقي عالية. لكن من ناحية أخرى، إذا قمنا بالإعلام في وقت كان يتعين علينا فيه القيام بالإنذار، فإننا نفقد ثقة الشعب ونوفر مواد للقائلين بنظرية المؤامرة.

إن الاتجاه العام الذي يهدف إلى جعل كل الأميركيين على اطلاع بالنشاط الإرهابي أمر جيد، لكن تحذيرا مثل الذي أصدرته وزارة الخارجية مؤخرا للمسافرين كان كبيرا وغير محدد بصورة تجعله يضيف تكاليف دون أن يجعلنا أكثر أمنا.

* أستاذ القانون في جامعة كولومبيا

* خدمة «نيويورك تايمز»