شيعة وسنة وتعليم

TT

التعليم هو المفتاح لحل كل مشكلاتنا، وتراجعه سبب أساسي لما وصلنا إليه من ترد وهوان وتراجع في كافة المجالات، مؤشرات التنمية تظهر أننا في مؤخرة ركب الإنسانية بكل جدارة وتخلف وسبق إصرار. نحن الأسوأ في مخرجات التعليم والبطالة والفساد وتردي الخدمات والبيروقراطية وتكاثر المواليد دون ضبط أو دراسة لاستيعابهم وتعليمهم وتطبيبهم وتوظيفهم، ونحن في مؤخرة قطار التنمية البشرية ونسب الأمية، وتعليمنا تخريجي وتلقيني، وليس إبداعيا ونقديا.

غياب الديمقراطية مرتبط بانهيار التعليم، وتلاشي دور المثقفين لانعدام التعليم النوعي. ملايين بيننا يحملون شهادات، ولكن غالبيتهم كالحمار يحمل أسفارا، تراه دكتورا يفسر الواقع ضمن تفاسير غيبية وخزعبلات أسطورية، يحمل شهادة الهندسة ويهدم مبادئ المنطق والهندسة والجبر بفهمه لما حوله. وذاك يحمل شهادة دكتوراه في الإدارة ولكنه لا يزال أسير «ردا على كتابنا وإلحاقا لكتابكم». وذاك طبيب يعتقد أن مرض الإيدز مؤامرة، وأن مرض السرطان سببه الأميركيون، وهكذا.

تعليمنا بحاجة إلى ثورة في المناهج، وليس تعديلا أو تغييرا. واقع الحال أننا «خلطنا شعبان برجب»، ومزجنا بين تعليم الدين والمعتقدات الراسخة والثابتة، وبين العلوم الطبيعية المتغيرة والقابلة للجدل والنقاش والرفض والتفنيد. هذا هو بيت القصيد: تعليم العقائد الدينية بدأ بدور العبادة، والعلم الحديث أنشئت له دور وجامعات ومدارس خاصة به. الخلط بين الاثنين خلق جيلا مشوها لا يمكن له أن يفكر تفكيرا نقديا إبداعيا، فهو يتغذى العلم المتحرك بنفس ملعقة المعتقد الثابت. ويلقن نظريات الجبر والمنطق وعلوم الأحياء والكيمياء بنفس منهج تغذيته بالشعائر والطقوس الدينية، ولا مناص من فك الارتباط بين الراسخ الثابت، وبين المتغير المتحرك. ما قد يكون نظرية علمية اليوم، وحقيقة علمية منذ سنين، قد يثبت خطؤها ويأتي من يفندها ويطرح بديلا لها، لكن العقيدة مسألة لا تقبل التفنيد، فالمسيحي المؤمن مؤمن مهما حاول الملاحدة حرفه عن إيمانه، ومن العبط والسفسطة أن يحاول ملحد مجادلة يهودي متشدد في عقيدته، تلك مسألة لا منطق ولا علم فيها، كما أن من غير المعقول أن يأتي مسيحي متدين لجامعة في الصين ويحاول أن يقنعهم بمعجزات عيسى المسيح على أنها حقائق علمية. بينما يمكن لعالم أن يذهب لجامعة طوكيو ويقنع الطلبة أن الماء يتكون من الأكسجين والهيدروجين ومن لا يصدق يرافقه للمختبر لإثبات ذلك.

إن المتعلم تعليما نوعيا يختلف في طريقة تفكيره وسلوكه وعلاقته بالآخر، وحكمه على الأشياء الدنيوية الحياتية يكون خارج قيود الراسخ، إلى رحابة العقل والتفكير العلمي النقدي.

مصيبة المناهج التعليمية في عالمنا العربي أنها تخرج إنسانا يقرأ ويكتب ويردد ما تعلمه وحفظه في سني حياته الدراسية لاجتياز الامتحانات والحصول على الشهادة، التي إما تقوده للعمل الحكومي البيروقراطي القاتل للمواهب، أو تلقي به في شارع البطالة في معظم الأحيان، لأن سوق العمل الحديث في القطاع الخاص لا يستطيع استيعاب إنسان معبأ بمعلومات عقائدية وتاريخية، وليس مبدعا نقديا في تفكيره.

ما زال التعليم في بلادنا يعتمد على السبورة والطبشورة والدفاتر والكتب الثقيلة، بينما العالم يتسابق في الإبداع بالكتب الإلكترونية والفصول الذكية، ويختصر مراحل سنوات التعليم التقليدية لتفجير إبداعات الأطفال مبكرا مختزلين ساعات دروس المعتقدات والشعائر الدينية الطويلة التي يمكن أن يتعلموها في دور العبادة متى شاءوا. باختصار، لا بديل عن التمييز في مناهجنا ومدارسنا بين المعرفة العلمية الديناميكية، والمعتقدات الدينية الراسخة «الستاتيكية».

أعترف بأني اخترت العنوان لجذب القارئ الكريم، فلو أن عنوان هذه المقالة «التعليم» فقط، لقل عدد قارئيها، والسبب واضح ومعروف لكل فطن.