إذا استمرت أجواء «لقاء دمشق» فإن الانقسام إلى زوال

TT

بعد اللقاء الذي جرى بين حركتي فتح وحماس في دمشق بتاريخ 24/9/2010 بترتيب مسبق، تابعت تصريحات الناطقين بلسان حركة حماس ومختلف الفصائل الفلسطينية ومقالات كثيرة في مختلف الصحف العربية حول ما تم في لقاء دمشق ومواقف هذه الفصائل منها خاصة ما تضمنه محضر اجتماع للفصائل عقد في دمشق نهاية سبتمبر (أيلول) الماضي، ولفت انتباهي الحقائق التالية:

أولا: إن بعض الكتاب كانوا منزعجين جدا من الروح الإيجابية التي سادت «لقاء دمشق» ومن التفاؤل الذي ظهر بإمكانية المصالحة الفلسطينية.. وظهر نفس الانزعاج من بعض قادة الفصائل، وكأن المصالحة تتعارض مع أهدافهم ومصالحهم، لذلك لم يتمكنوا من إخفاء مشاعرهم من خلال ما كتبوه وصرحوا به، بل إن بعض ممثلي الفصائل في دمشق ومن خلال ما قرأته في المحضر المشار إليه عن اجتماعهم مع السيد خالد مشعل (رئيس المكتب السياسي لحماس)، تحدثوا بلغة تتناقض بالكامل مع اللغة التي تحدثوا بها معي شخصيا في لقاءاتي معهم في دمشق، حيث رحبوا وأثنوا على ما تحقق من نتائج في اللقاء بينما في الاجتماع اللاحق لهم في نهاية سبتمبر الماضي شككوا وطعنوا في ما يتم، وذهب البعض إلى أبعد من ذلك باتجاه تحريض حماس بهدف إبقاء حالة الانقسام في الساحة الفلسطينية.

ثانيا: حاول بعض الكتاب وبعض المسؤولين من الفصائل الفلسطينية قلب الحقائق وكأنهم العارفون بحقائق مواقف خفية، والتشكيك فيما حصل وتداول معلومات لا علاقة لها بما جرى بشأن ملف المصالحة من قريب أو بعيد كالحديث عن وسطاء عرب وفلسطينيين فشلوا في جهودهم، وبعض من هؤلاء عبر عن دهشته مما حصل وكأنه تغير فجائي لا بد أن يوضع تحت دائرة التشكيك والطعن والخوف، كالربط بين محاولة إحياء المفاوضات وعملية المصالحة، وأقول لهؤلاء إنكم عبثا تحاولون إخفاء نواياكم الحقيقية، لأنه من الواضح أن رفضكم للمصالحة ورعبكم منها هو انعكاس لقلقكم على مصالحكم التي طالما بنيتموها على التناقضات والخلافات كبيئة مناسبة لبقائكم... وأنا على يقين من أن المصالح الوطنية العليا للشعب الفلسطيني، والتغلب على الانقسام في مقدمتها، ستبقى هي الأقوى والأكثر قدرة على التحمل والبقاء.

وللحقيقة أيضا، أود أن أشير إلى ما قلته للأخ أسامة حمدان (مسؤول العلاقات الخارجية في المكتب السياسي لحماس) في لقائي معه في بيروت قبل عيد الفطر المبارك بأيام: «أعتقد أن الوقت غير ملائم للحديث عن المصالحة حتى لا تقولوا أنتم أو غيركم إن حركة فتح تريد غطاء للسلطة وللرئيس أبو مازن للدخول في مفاوضات مع إسرائيل. نحن لدينا من الثقة بالنفس وقدرة القرار ما لا يجعلنا بحاجة لغطاء أحد، ونتعامل مع الظواهر الفاسدة لإزالتها وتغييرها دون أن نتلوث».. كما أود أن أقول لبعض الكتاب، وكما أعلنت حركتا فتح وحماس في لقاء دمشق، إن مصر لم تقترح ورقة من عقلها، بل هي أعدت الورقة المعروفة نتيجة للحوار الشامل بين الفصائل الفلسطينية كافة والحوار الثنائي بين حركتي فتح وحماس.

وحتى لا تختلط الأمور وتضيع الحقائق أقول لمن يروج إلى أن هناك إطارا جديدا اتفق عليه ليقود الشعب الفلسطيني في المرحلة المؤقتة، أو أن هناك ملحقا مرفقا بالورقة المصرية..الخ، أقول إن ما اتفق عليه هو بقاء الورقة المصرية كما هي للتوقيع عليها من جميع الفصائل، لا ملحق ولا مرفق لها ولا مرجعية جديدة إلى جانبها، وإنما تفاهمات فلسطينية ملزمة للجميع في تنفيذ الورقة المصرية مثل تشكيل لجنة الانتخابات المركزية وفق ما جاء في الورقة المصرية بالتشاور بين الرئيس والفصائل والفعاليات، على أن يصدر الرئيس مرسوما رئاسيا بتشكيلها وفق القانون، وكذلك الأمر بالنسبة لمحكمة الانتخابات، وهاتان نقطتان كان قد اتفق عليهما في الحوار الشامل الذي جرى بداية مارس (آذار) 2009.

ثالثا والأهم: هي المتعلقة بمنظمة التحرير الفلسطينية، حيث تم التأكيد على ما جاء في إعلان القاهرة عام 2006 بالنسبة للجنة التي يترأسها الأخ الرئيس وتضم في عضويتها رئيس المجلس الوطني وأعضاء اللجنة التنفيذية والأمناء العامين للفصائل وبعض الشخصيات المستقلة للإشراف على إعادة تشكيل المجلس الوطني الجديد بالانتخاب حيثما أمكن ذلك، وبالتعيين حيثما لا يمكن ذلك، وأضيف لها في حوار القاهرة 2009 عبارة «إن من حق هذه اللجنة أن تبحث في الشأن الوطني باعتبارها إطارا قياديا مؤقتا وتكون قراراتها غير قابلة للتعطيل».. ورفضت فتح ومعظم الفصائل آخر عبارة حتى لا تستغل لضرب شرعية أطر ومؤسسات المنظمة، لذا أصرت فتح على إضافة عبارة «بما لا يتعارض مع صلاحيات اللجنة التنفيذية للمنظمة» بعد كلمة التعطيل. وهذا ما اتفق عليه في دمشق.

وتم تأجيل النقطة الرابعة المتعلقة بموضوع الأمن إلى اجتماع لاحق (يعقد في 20/10/2010) بحضور المختصين بقضية الأمن، وحتى بخصوص هذه النقطة التي لم تبحث، ذهب بعض المشككين القلقين من المصالحة وإنهاء الانقسام إلى حد التزوير فيما ورد حولها في «الورقة المصرية»، لأنهم بالفعل لم يكونوا تناولوا الموضوع بمسؤولية وطنية حريصة على الوحدة الوطنية أو بمهنية تنقل الحقائق كما هي.. بل وظفوا أنفسهم وأقلامهم لأغراض بعيدة كل البعد عن المصالح الوطنية وباسم الدفاع عن هذه المصالح.

أخيرا: أقول لهؤلاء كفى طعنا في المسيرة الفلسطينية وحركتها الوطنية ووحدتها، فكل هذه المحاولات وإن نجحت الآن، فلن يكون نجاحها إلا مؤقتا، وإن وحدة الشعب الفلسطيني ومؤسساته وسلطته لن يقوى أي فصيل على استمرار تجاهلها.

ورغم كل التحريض والتشكيك، فإنني على ثقة بأنه إذا ما استمرت الأجواء الإيجابية التي سادت لقاء دمشق، وظللت اللقاء المرتقب الأربعاء المقبل فإن أبواب إنهاء الانقسام ستفتح على مصراعيها وتتهيأ أجواء المصالحة وتوحيد الطاقات الفلسطينية للسير قدما نحو أهداف شعبنا في الحرية والاستقلال وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة.

وأقول للذين يحاولون وضع العراقيل أمام جهود المصالحة وإثارة التساؤلات المفتعلة، إن من حمل راية الحركة الوطنية الفلسطينية منذ نحو نصف قرن وخاض المعركة تلو الأخرى، وحقق الانتصارات الكثيرة رغم العديد من النكسات ولم يعرف اليأس ولم يتردد رغم الطعنات التي لم تتوقف من الأمام والخلف، لن تضعف محاولاتهم عزيمته وإصراره على المضي في تحمل المسؤولية ومواجهة أعباء المرحلة، ورفض كل الضغوط لمنعه من التوقيع على «الورقة المصرية»، وأدعو الجميع وفي مقدمتهم حماس للتوقيع لنبدأ عملية إعادة اللحمة وإنهاء الانقسام وحرمان كل الطفيليين من التسلق على الخلافات الجانبية خدمة لأجندة غير فلسطينية.

وأود أن أشير أخيرا إلى الأجواء الإيجابية وروح المسؤولية التي سادت لقاء دمشق أكثر من أي لقاء آخر. فقد كان هناك تفهم للأوضاع الفلسطينية الدقيقة في هذه المرحلة وإظهار الحرص من الجانبين وتأكيد على أهمية إنجاز المصالحة التي يدرك الطرفان أهميتها وحاجة الوطن بجناحيه الضفة وغزة لذلك، وكذلك حاجة المفاوضات أيضا لذلك سواء تكللت بالنجاح أم فشلت (وهو الأرجح).

إن شعبنا أمام تحديات كبيرة تتطلب إعادة الوحدة إلى صفوفه وإيجاد صيغة للشراكة السياسية بين جميع قواه وفصائله وخاصة فتح وحماس، وهذا ما عبر عنه الجانبان في لقائهما، وأكدا على أهميته أمام جلسة خاصة للجنة السياسية للبرلمان العربي التي استضافت مشعل وأنا واستمعت من كلينا كل على حدة، لما جرى بين الجانبين، وفوجئ المجتمعون بتطابق الطرح.

وعندما يتفق الطرفان حول حاجة المفاوضات للمصالحة، فإنهما يدركان ضرورة تجميد كل التناقضات الثانوية أمام التناقض الرئيسي وهو مواجهة العدو حفاظا على حقوقنا وطموحاتنا.. فهل يدرك ذلك المتغنون بالقضية الفلسطينية، ويوظفون أقلامهم وتصريحاتهم لخدمة دعم الوحدة والمصالحة بدلا من الطعن والتشكيك وزرع الفتن.

* عضو اللجنة المركزية

لحركة فتح