هل يتنازل الحريري عن المحكمة؟

TT

سمعت وليد جنبلاط كثيرا وهو يعبر عن قلقه من عواقب صدور القرار الظني للمحكمة الدولية، خصوصا إذا ما اتهم حزب الله، إلى حد أنه يعتبر المحكمة ورطة وأنها استكمال لمخططات تقسيم المنطقة، واليوم يدعو جنبلاط سعد الحريري للإعلان عن «أن المحكمة الدولية مسيسة وأنه يريد الاستغناء عنها قبل صدور القرار الظني»، محذرا الحريري من «عودة الإشكالات المذهبية للشارع».

وقبل التعليق على التنازل عن المحكمة لا بد من مناقشة بعض النقاط هنا، فإذا كان جنبلاط يخشى على لبنان اليوم من الفتنة، فلماذا لم يخش على السلم والاستقرار في سورية بالأمس، خصوصا أنه يقول إن المحكمة استمرار لمشروع التقسيم؟ وإذا كان جنبلاط يخشى على لبنان اليوم من الفتنة المذهبية فلماذا لم يخش من قام باغتيال رفيق الحريري الفتنة المذهبية يوم قرر اغتياله؟

والسبب بسيط بالطبع وهو أن رفيق الحريري لم يكن يوما زعيم ميليشيا، بل رجل دولة، ولذلك يجب أن يأخذ له القانون حقه، وحق أتباعه العزل من السلاح، كما لا بد أن يوضع حد للاغتيالات في لبنان، أيا كان الثمن، خصوصا أن حزب الله لم يخش يوما على البلاد من الفتنة، بل احتل بيروت بسبب كاميرات، وشبكة اتصالات، في 2008، ولم يخش الحزب الفتنة حينها يوم حاصر جنبلاط في الجبل، فلماذا التلويح بورقة الفتنة اليوم مع من لم يتجنبها بالأمس، بل ويؤكد اليوم أن مشروع إيران بالمنطقة، ولبنان، هو مشروع إلهي، فهل من فتنة أكثر من هذه في بلد متنوع الأديان والطوائف مثل لبنان؟

أما مطالبة جنبلاط للحريري بالطعن في المحكمة، أو القول بأن الحريري هو ولي الدم، وأن الكرة اليوم بملعبه، والمطلوب منه أن يضع العربة على الطريق الصحيح، بحسب تصريحات محسوبة على حزب الله بعد لقاء الحريري بنجاد، فإن ذلك لا يعد انتحارا سياسيا وحسب، كما يقول المقربون من الحريري، بل هو ضرب من الجنون، وتدمير كامل لمشروع رفيق الحريري، وهو بناء الدولة.

ولذا ففي حال ازداد الضغط على رئيس الوزراء اللبناني، أو تم الوصول إلى طريق مسدود، بحيث لا يكون أمامه إلا ضرب مصداقية المحكمة فإن من الأولى بسعد الحريري أن يقدم استقالته من رئاسة الحكومة ويترك لغيره مسؤولية تعطيل المحكمة ليكونوا وجها لوجه مع اللبنانيين الذين يرون في المحكمة منجاة وحماية لهم من الاغتيالات، وعبث السلاح الذي حول لبنان إلى دولة الولي الفقيه.

فما على رئيس الوزراء اللبناني تذكره اليوم أن رفيق الحريري بالأمس قد قدم تنازلات أهمها التمديد لإميل لحود، ورغم ذلك لم يستطع تشكيل حكومته، وقدم يومها استقالته الشهيرة التي قال فيها: «إنني أستودع الله سبحانه وتعالى، هذا البلد الحبيب لبنان، وشعبه الطيب..»، وذهب لمنزله ومع ذلك تم اغتياله بعدها بأشهر معدودة.. هذا ما على الابن تذكره اليوم لأنه لن يسلم مهما قدم من تنازلات، فالقضية ليست شخصه، بل مشروعه، ومشروع والده الذي هو مشروع الراغبين في مستقبل للبنان.

[email protected]